يجب ألا تدعم مصر رئيساً يقتل شعبه، أو نظاماً قمعياً فاسداً، ويجب ألا تدعم الإرهابيين، ويجب ألا توافق على تقسيم سورية وتفتيتها إلى كيانات صغيرة طائفية وقومية وأيديولوجية متقاتلة، ويجب ألا تخسر حلفاءها الخليجيين، أو تساعد الإيرانيين في تكريس نفوذهم في العالم العربي، أو تغطي نشاط «حزب الله» بطائفيته وميليشياويته، أو تسمح بتنفيذ خطة التقسيم والتفتيت التي بات واضحاً أنها موجودة وفعالة.
هذا هو الوقت الذي يجب أن تطرح فيه مصر على نفسها سؤالين واضحين ومباشرين؛ أولهما: إلى أي حد يمكن تحمل عقبات تفتت سورية وتحولها إلى "كانتونات طائفية وقومية متقاتلة"؟، وثانيهما: ما الذي يمكن أن نفعله لمعالجة الوضع السوري الراهن بأقل الخسائر الممكنة؟لم تكن سورية أقرب إلى التفتت والتقسيم مما هي عليه اليوم؛ إذ تفيد مؤشرات عديدة بتراجع قدرة النظام على استخدام إمكاناته العسكرية، وزيادة حدة هجمات "داعش" وقوى المعارضة الدينية والمدنية، وتكرس النزعات الانفصالية، وسيادة الطابع القومي وهيمنة البعد الطائفي على مجمل تفاعلات الصراع.تفيد التصريحات الواردة من العواصم المؤثرة والمنخرطة بأن الأسد بات مسألة وقت، وأن أي حل مستقبلي للأوضاع في هذا البلد ينطوي بالضرورة على استبعاده وإلغاء أي دور له في المستقبل.وبموازاة ذلك، تزيد حدة التدخلات الخارجية بدرجة كبيرة، حيث أعلنت تركيا استخدام سلاح الجو التابع لها لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية في الداخل السوري، في وقت تقاتل قوات "حزب الله" اللبناني في منطقة القلمون ومناطق أخرى، كما تظهر القدرات العسكرية الإيرانية بوضوح.لا تتوقف التمويلات القادمة من دول إقليمية وأجنبية على قوى المعارضة المسلحة، وبينها "داعش" و"جبهة النصرة" وجماعات جهادية أخرى، كما تبذل واشنطن وعدد من العواصم الغربية جهوداً مكثفة على صعيد الدعم المادي والسياسي واللوجستي للعناصر المقاتلة.ثمة ورش تدريب فعالة تقيمها دول عدة لعناصر المعارضة المقاتلة السورية، وبموازاة تلك الورش هناك عمليات تدريب وتعبئة لعناصر معارضة مدنية من جماعات التكنوقراط والمثقفين والإعلاميين بغرض إبقاء الحشد فعالاً ومستديماً، انتظاراً للحظة سقوط النظام.لقد باتت سورية ملعباً كبيراً مفتوحاً، يضيق باللاعبين المتنافسين، في حرب مفتوحة شرسة، وقودها الشعب السوري، وضحيتها سورية الكيان، والحضارة، والدولة، والمجتمع.إن تفتت سورية، الذي بات قريباً أكثر من أي وقت مضى، يمثل ضرراً بالغاً على مصر، وهو ضرر يجب دفعه، أو محاولة دفعه، حتى لو كانت الظروف صعبة، والضغوط كبيرة، والموارد شحيحة.ربما عملت بعض الدول الإقليمية على تفتت سورية، لأنها حققت، أو ستحقق مكاسب من ذلك، وإن من يرى حجم الاستفادة التركية من المأساة السورية مثلاً يمكنه أن يجد تبريراً للاستثمار التركي في الوضع السوري.لا يتوقف الأمر على نقل مصانع حلب إلى مدن تركيا الجنوبية، وغير ذلك من المنافع الاقتصادية، ولكنه يمتد أيضاً ليشمل تحقيق أهداف سياسية عبر تعزيز الدور التركي الذي لا يمكن تجاهله عند مقاربة الأزمة السورية.وربما لا تجد دول إقليمية أخرى إشكالاً كبيراً في تفتت الدولة السورية، أو تعتبر أن انهيار نظام الأسد، ومعه سورية نفسها، يمكن أن يشكل فرصة وتطوراً إيجابياً، لأنه سيحرم إيران نفوذَها التقليدي في هذا البلد وهذا الإقليم، وسيقلل أوراقها في صراعها المفتوح مع القوى العربية السنية الرئيسة.لكن الأوضاع تختلف عندما يأتي الحديث عن مصر، إذ إن الدفاع عن سورية موحدة، وعن الدولة السورية، واجب على الدولة الوطنية المصرية، بغض النظر عن توازنات القوى، أو تقاطعات المصالح.والتفريط في وحدة سورية، وحكومتها المركزية، ودولتها ذات السيادة، يضر بالمصلحة الوطنية المصرية، ولذلك، فإن تقاعس مصر عن مساندة مفهوم الدولة الواحدة في سورية سيعد نكوصاً وتهاوناً مريعاً.لقد لعبت دول الخليج العربية، خصوصاً الإمارات والسعودية والكويت، أدواراً بالغة الأهمية في مساندة المصلحة الوطنية المصرية، اعتباراً من 30 يونيو حتى يومنا هذا.لم يكن من الممكن أن تنتصر الدولة المصرية على فاشية "الإخوان" وتآمرهم من دون دعم دول الخليج العربية، لكن ذلك لا يمنع من محاولة الوصول إلى صيغة تستند إلى مشتركات ونقاط تفاهم رئيسة بين الجانبين المصري والخليجي بخصوص الشأن السوري.يجب ألا تدعم مصر رئيساً يقتل شعبه، أو نظاماً قمعياً فاسداً، ويجب ألا تدعم الإرهابيين، ويجب ألا توافق على تقسيم سورية وتفتيتها إلى كيانات صغيرة طائفية وقومية وأيديولوجية متقاتلة، ويجب ألا تخسر حلفاءها الخليجيين، أو تساعد الإيرانيين في تكريس نفوذهم في العالم العربي، أو تغطي نشاط "حزب الله" بطائفيته وميليشياويته، أو تسمح بتنفيذ خطة التقسيم والتفتيت التي بات واضحاً أنها موجودة وفعالة.ليست تلك كل محددات وقيود الفعل السياسي المصري المتوقع إزاء الشأن السوري، إذ ثمة محددات وقيود أخرى؛ لعل أهمها تلك الخاصة بموازنة العلاقات مع كل من الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين من جانب، وروسيا من جانب آخر.من الصعب جداً أن تنشغل القيادة السياسية المصرية بموضوع خطير ومحوري مثل هذا، وتركز تماماً فيه بغرض تحقيق إنجاز واختراق، في ظل جملة التحديات العصيبة التي تواجهها البلاد، لكن تفتيت سورية لا يقل خطراً عن أعظم تلك التحديات وأكثرها ضراوة.إن سورية هي البلد الذي حفظ السر مع مصر على مر التاريخ، وقد قاتل البلدان وانتصرا معاً على الصليبيين، والتتار، والإسرائيليين، وكانا يوماً ما دولة واحدة.تبدو معوقات الفعل المصري إزاء سورية أكبر من طاقة الفعل السياسي، وأكثر تعقيداً من القدرة على تفاديها، لكن تلك كانت دوماً طبيعة التحديات السياسية الخطيرة، وهي نفسها البيئة التي تنتج السياسة المبدعة وتنطلق منها الاختراقات العظيمة.يجب أن يعين الرئيس المصري مبعوثاً للقضية السورية، ويجب أن تكون مهمة الجهود المصرية في هذا الصدد منع تفتت سورية، والحفاظ على الدولة الوطنية، ووقف القتل، وإيجاد حل مبدع، يوجِد نظاماً جديداً، لا يسمح بتقسيم البلد، ويوقف الاحتراب الأهلي، وإن هذه الأمور يمكن أن تكون نقاط توافق مع حلفاء مصر الخليجيين.يعني هذا ضرورة البحث عن نظام سوري جديد، يتصل بقواعد النظام القديم من جهة، ويحظى بقبول لدى قطاعات من المعارضة من جهة أخرى، وهو أمر ليس مستحيلاً على أي حال.* كاتب مصري
مقالات
الدور المصري المطلوب إزاء سورية
07-06-2015