الأرض العربية تخرج أخبث ما في باطنها من مخزون تراكمي موروث على امتداد ١٤ قرناً من تاريخ المسلمين، على شكل انبعاثات إرهابية عدائية للإنسانية، أخطر وأبشع هذه الانبعاثات تنظيم "داعش"، النموذج الأكثر ضراوة وقبحاً على مر التاريخ البشري كله، تفنن هذا التنظيم في ممارسة جرائم ضد الإنسانية لا سابق ولا مثيل لها في التاريخ.

Ad

 حتى النازيون أصحاب المحرقة والإبادة المروعة لم يصلوا في وحشيتهم إلى ما وصل إليه "داعش"، النازيون لم يصوروا ضحاياهم ويتباهوا بها أمام العالم كما يفعل "داعش"، الذي يتفنن في تصوير أساليب التعذيب والقتل بكل بشاعتها، ويعرضها على العالم بهدف زرع الخوف والترهيب، نعم إجرام "داعش" فاق كل إجرام، انتهكوا كل المقدسات الدينية وداسوا كل القيم الإنسانية، وارتكبوا كل المحرمات الأخلاقية المستقرة في الضمير البشري المشترك.

 لقد صدم العالم مؤخراً بفعلة "داعش" المروعة بالطيار الأسير الذي شاء حظه العاثر أن يقع في أيدي هذه الوحوش الخارجة من أعماق كهوف الظلام، وهذه ليست المرة الأولى في سلسلة ترويع "داعش" للناس بأفعاله البشعة ضد الإنسانية، والتي لا حدود لبشاعتها ولا سقف لفجوره المتجاوز كل المحرمات والمقدسات.

 فـ"داعش" تنظيم إرهابي مبني على "التوحش" فكراً وأيديولوجية وممارسة وتعاملاً وسلوكاً حتى بين أبناء التنظيم نفسه، لا يقيم أي وزن أو اعتبار لأي قيمة إنسانية أو أخلاقية أو دينية بالمطلق، فهو تنظيم قائم على التفنن في "صناعة التوحش الأقصى" لبث الرعب والفزع في نفوس الأعداء، استنساخاً لسلاح تاريخي قديم، وظناً أن "سلاح الرعب والترهيب الأقصى" سيضمن لهم الانتصار، ويحقق لهم أهدافهم العدوانية، خابوا وخابت أهدافهم.

 تألمت كثيراً وشرفاء العالم لما حصل للطيار الأسير، ومن قبله للرهائن والأيزيديين والمسيحيين والأكراد والعشائر، لكن ثقتي بالله تعالى كبيرة، بأن هذا الذي آلمنا إيذان ببداية النهاية لهذا التنظيم، سيدفع "داعش" أثماناً باهظة عن جرائمه وفظائعه، وها هي الأمور تسير في غير مصلحته، خسر "داعش" كوباني كما هزم شر هزيمة في كركوك، في حين شدد "التحالف" من غاراته النوعية، فقطعت أوصالهم ليفروا مولين الأدبار.

 العالم اليوم أصبح أقوى عزماً في محاربة "داعش"، وأميركا رصدت (٩) مليارات دولار لمحاربته، توحد الأردنيون بمختلف طوائفهم ضد "داعش"، وشن الأردن (٣٠) غارة على مراكز ومقار التنظيم الإرهابي، يظن "داعش" أن أسلوب الترويع يوهن خصومه، ولكن العكس هو الصحيح، قديماً وحديثاً الخوارج سلف التنظيمات الإرهابية استمروا يحاربون الدولة الإسلامية (٢٠٠) سنة، ولم يستطيعوا تحقيق أي هدف سياسي حتى مُزِّقوا شر ممزق.

 لم ينجح الإرهاب في تغيير أي سياسة دولية، فـ"القاعدة" السلف القريب من "داعش" أدمى أنف أميركا وقتل (٣٠٠٠) مدني ظلماً وعدواناً، ففرح التنظيم وأنصاره، لكن الانتقام الأميركي كان رهيباً ومدمراً، حيث أزالت دولة طالبان وشردت ضيوفها (القاعدة) إلى أوكار الجبال، وأسرت من قدرت عليه ونقلتهم مصفدين إلى أقفاص غوانتنامو وصفّت زعماء القاعدة، ولاحقت زعيمها فقتلته ورمته في البحر لتفترسه الأسماك كما افترس البشر من قبل، جزاء وفاقاً، وما كان ربك بظلام للعبيد.

 دروس التاريخ شاهدة ومؤكدة بأن الإرهاب لا يمكن أن يحقق هدفاً ناجحاً أبداً؛ لأن ذلك ضد القانون الإلهي "فأما الزبد فيذهب جفاء"، فالإرهابيون في فرنسا ظنوا أنهم سيغيرون سياسة فرنسا، وجاءت الأحداث لتخيب آمالهم، وها هو الرئيس الفرنسي يؤكد أن بلاده لن تغير سياستها لا في مالي ولا بلدان الساحل ولا في سورية أو العراق، بل رصد ميزانية أكبر للدفاع، وقال إن ردنا على الإرهاب سيكون شاملاً، وواشنطن زادت مشاركتها في التحالف بنشر طائرات لإنقاذ الطيارين إذا أسقطت طائراتهم.

 داعش "اليوم" في مرحلة الانحسار، وما لجوؤه إلى تكثيف نشر الفيديوهات المرعبة إلا تغطية لخسائره وصرف للأنظار عن هزائمه بشغل الناس بها! عشائر الأنبار أعلنت النفير العام ضد "داعش" والبيشمركة استعادوا حقلاً نفطياً، وحتى "بوكو حرام" النسخة النيجيرية من "داعش"، بدأت تخسر وتفقد مواقع مهمة بدخول القوات التشادية، وستنهار تماماً في مواجهة القوة الإقليمية المكونة بقرار من قمة الاتحاد الإفريقي.

 نعم دم الشهيد الكساسبة ودماء آلاف الأبرياء لن تذهب هدراً، بل سيزيد العالم إصراراً وعزماً على استئصال هذا التنظيم الإرهابي، عدو الإنسانية جمعاء.  

ويبقى أن نقول لهؤلاء الذين يدافعون عن الأعمال الوحشية لـ"داعش"، بالتماس نصوص قرآنية ونبوية تؤيدها: اتقوا الله تعالى في دنياكم وراجعوا أنفسكم، هل تريدون القول للعالم إن الإسلام يؤيد العنف والعدوان والوحشية؟! لقد افتريتم على الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام كذباً، ما كان لديننا- دين التسامح والسلام- وكل الأديان السماوية أن تجيز العدوان أبداً.

 * كاتب قطري