انتشرت قبل شهر وجهة النظر القائلة إن الحرب السورية عالقة في حالة من الجمود ستدوم لسنوات إن لم نقل لعقود، مع بعض التقلبات الطفيفة بين الأطراف المتحاربة، لكن وجهة النظر هذه اصطدمت ببعض الخسائر الكبيرة التي تكبدتها قوات النظام في الشمال الغربي، بما في ذلك مدينة إدلب، في حين أخفقت توقعات حدوث هجمات مضادة في مواضع أخرى، وهكذا أصبحت قوات المعارضة في موقع يسمح لها بتهديد معاقل حيوية للنظام على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

Ad

صحيح أننا لا نستطيع توقع سقوط النظام الوشيك (يكفي أن يحافظ الجيش والميليشيات الداعمة له على مواقعهما، في حين يواجه الثوار مهمة أكثر صعوبة: غزو مناطق جديدة)، ولكن من الواضح أن ميزان القوى بدأ يتبدل، وعلى اللاعبين الأساسيين، وخصوصاً إيران، أن يتخذوا بعض القرارات المهمة.

تعود جزء كبير من فكرة أن الثوار لا يحققون أي تقدم إلى أهداف داعميهم غير المتجانسة، فقد وقعت واشنطن في الحيرة بشأن ما إذا كان نظام الأسد لا يزال المشكلة أو قد تحول إلى جزء من الحل، ولا شك أن الاختلافات في وجهات النظر بين دول الخليج العربي، وبينها وبين تركيا عززت الشعور بالانقسام، ومع سيطرة النظام على الجو بدا في أمان، كذلك أجرى بشار الأسد، الذي وجد في نفسه ثقة جديدة، سلسلة من المقابلات مع وسائل إعلام أجنبية ليؤكد فكرة أنه قد يكون جزءاً من الحل.

بالإضافة إلى ذلك، استندت رواية الجمود هذه إلى الافتراض الغربي أن دول الخليج العربي واقعة بين خطرين: نزعة إيران إلى التوسع، والانقلاب الإسلامي، لكن افتراض هذا الشلل السياسي تبدد مع تبني المملكة العربية السعودية لهجة أكثر حزماً، وخصوصاً في اليمن.

يبدو الثوار السوريون اليوم أكثر توحداً وتسلحاً، في حين تعاني قوات النظام وطأة أربع سنوات من الحرب، مع امتحان عمليات دعوة الشبان المتكررة للالتحاق بالجيش، وولاء العائلات في المناطق التي يسيطر عليها النظام. كذلك تواجه الميليشيات الأجنبية التي حشدتها إيران لدعم النظام السوري نقصاً متنامياً بسبب عودة المتطوعين العراقيين الشيعة لقتال "داعش" في وطنهم.

تشير هذه التطورات في سورية والمنطقة إلى خلاصة واحدة: ما عاد بالإمكان تصعيد التدخل الإيراني، الذي أنقذ حتى اليوم النظام، متكبداً على الأرجح كلفة وصلت إلى ملياري دولار شهرياً من خزانة طهران. قد يكون ممكناً أن تحشد إيران المزيد من المقاتلين الأجانب، من بين اللاجئين الأفغان الشيعة المقيمين في إيران مثلاً، إلا أننا سنبلغ مرحلة سيعتمد فيها النظام بقوة على طهران، حتى إنه سيبدو دولة تابعة لها.

نلاحظ علامات استياء واضحة داخل طبقة الضباط السوريين بشأن دور إيران المتنامي في محاربة التمرد، وخصوصاً دعمها ميليشيا قوات الدفاع الوطني على حساب الجيش، وتنقل إيران إلى سورية نظامها الخاص، حيث يفوق حرس الثورة وفيلق القدس، الذي ينفذ حملاته العسكرية، قوات الجيش النظامي أهمية، ومكانة، وعتاداً، لكن هذه التقنية ستوهن الدولة السورية الضعيفة أساساً، ومن الممكن ملاحظة هذه العملية في لبنان حيث زعزع حزب الله الدولة اللبنانية طوال السنوات الثلاثين الماضية، وفي العراق حيث تقوض الميليشيات الطائفية فكرة إنشاء مجتمع علماني. باختصار، يشكل تأسيس مؤسسات ظل مسلحة وصفة ناجحة لترك الدول العربية ضعيفة ومفتوحة أمام النفوذ الإيراني.

لن يحقق التدخل الإيراني الإضافي أي هدف غير إثارة المزيد من الأسئلة داخل الجيش: لمَ يقاتلون؟ هل الهدف الرئيس أن تحظى إيران بممر استراتيجي إلى البحر الأبيض المتوسط؟ ولمَ يجب أن يموت الشبان من أجل رئيس أخفق بوضوح في الحفاظ على الأمة؟

* الان فيليبس | Alan Philps