تكمن مشكلة الكويت الحقيقية والقديمة والمتراكمة في إدارتها التي دأبت عبر سنوات طويلة على تأجيل حل المشكلات الصغيرة لتتحول إلى كبيرة، أو التعامل غير الصحيح مع ملفات سهلة، لتتحول مع الوقت إلى صعبة، وما أزمة الديزل التي حدثت هذا الأسبوع إلا واحدة من تلك الملفات.

Ad

تزامنت ازمة نتائج رفع اسعار الديزل والكيروسين في السوق المحلي مع اعلان الحكومة خطتها لتنويع الإيرادات وترشيد الإنفاق، في مشهد يكشف ان الواقع العملي بعيد جدا عما يتم «تنظيره» بالدراسات والتقارير.

فالخطة الحكومية تتحدث عن مجموعة من المقترحات، اقل ما يمكن وصفها به أنها طموحة، كإعادة هيكلة الدعم لمستحقيه واصدار موازنة مجمعة لمدة 3 سنوات والحد من الأوامر التغييرية في المشروعات العامة، بل وصل الطموح إلى مستويات عالية، كوضع سقف للتوظيف في القطاع العام وحتى النظر في خطط الابتعاث الخارجي للطلبة.

غير ان الجانب العملي يشير الى ان الحكومة غرقت في ازمة الديزل والكيروسين، رغم انه الملف الاصغر من ضمن ملفات ترشيد الدعم المقترحة كالكهرباء والماء والبنزين، إذ حدث انفلات في الاسعار وارتباك حكومي ما كان ليحدث لو ان الاجراءات اللاحقة تم اتخاذها مسبقا، ليعطي ملف الديزل نموذجا سيئا للتعامل الحكومي مع ملفات اكبر حجما واكثر اهمية.

مشكلة الكويت الحقيقية والقديمة والمتراكمة في ادارتها التي دأبت خلال سنوات طويلة على تأجيل حل المشكلات الصغيرة حتى تتحول الى كبيرة او التعامل الخاطئ مع ملفات سهلة لتتحول الى صعبة مع الوقت، وما ازمة الديزل التي حدثت خلال الاسبوع الجاري الا واحد من هذه الملفات، إذ كان من المفترض ان يتم تطويق الاثار السلبية لقرار رفع الديزل قبل تطبيقه، كي نتحاشى تقديم النماذج السيئة في التطبيق لمجموعة من القرارات الاصلاحية.

تناقض

والأمر لا يتوقف على الديزل، فحتى الخطة الحكومية لتنويع الايرادات رغم انها خطة طموحة الا انها لا تختلف عن افكار وخطط حكومية سابقة كمقترحات المجلس الاعلى للتخطيط قبل نحو عام، والتي مرت من قبل بتقارير سابقة لصندوق النقد الدولي وفريق توني بلير ودراسة اللجنة الاستشارية الاقتصادية، وهنا دليل على ان المشكلة لم تكن يوما بالافكار والمقترحات بل في القرار مع اضافة سوء آلية التنفيذ في السنوات الاخيرة.

عموما هناك تخوف في الكويت بشكل عام من الخطط التي تسمى «طموحة» لأنها تعيد الى الاذهان خطة التنمية الطموحة والتي اعلن فشلها ليتم استبدالها بخطة اخرى «واقعية»!

بل ان حديث عدد لا بأس به من الوزراء لا يزال يناقض ما ورد في خطة الحكومة لتنويع الإيرادات وترشيد الإنفاق، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الخطة عن اعادة هيكلة اسعار العديد من الرسوم لا سيما الكهرباء والماء والبنزين نجد تصريحات من اكثر من وزير تشدد على عدم وجود اي تسعير جديد لهذه الخدمات الثلاث التي تستحوذ على نحو 75 في المئة من فاتورة الدعم في الميزانية.

الفشل في التنفيذ والتلكؤ في تطبيق برامج الاصلاح او ترشيد الانفاق كان يمكن التغاضي عنهما في فترات الوفرة المالية والفوائض المتراكمة، اما اليوم ومع بلوغ النفط مستويات دون 45 دولاراً للبرميل، لم تعد هناك فرص كثيرة يمكن إضاعتها بسبب سوء إدارة او عدم قدرة على التنفيذ.

ما يجب أن نعيه جميعا هو ان سوق النفط العالمي يمر بحالة عدم يقين لا يعلم احد متى ستنتهي، وان فاتورة الانفاق في الكويت عالية جدا، لذلك فإن تحديا مثل إصلاح سوق العمل وحده في ظل انخفاض اسعار النفط والاعتماد العالي عليه يمكن ان يشكل كابوسا لأي حكومة تدير البلد، خصوصا عند تصاعد الطلب على سوق العمل بواقع 20 الف فرصة عمل سنويا في الوقت الحالي، و70 الف فرصة عمل سنويا خلال 10 سنوات قادمة.

فإذا كانت الرواتب وما في حكمها تستهلك اليوم 10.5 مليارات دينار من الميزانية بما يوازي 45.2 في المئة، فكم سنحتاج خلال السنوات القادمة لتغطية النفقات المطلوبة، وهل هناك فرص حقيقية خارج القطاع الحكومي تستوعب حجم القادمين الى سوق العمل.

برنامج للضريبة

تنويع الاقتصاد وفتح قنوات استثمار هو الجناح الثاني لخفض النفقات وترشيد الدعم، لذلك يجب اعداد برنامج للضريبة على الشركات، مع بذل الجهود الخاصة المفروض بذلها لجذب استثمارات اجنبية في الكويت لتعزيز ايرادات الضرائب جنبا الى جنب مع الشركات المحلية، مع الاخذ بعين الاعتبار اصلاح سوق العمل الذي يمثل التحدي الاكبر خلال السنوات القادمة، فضلاً عن اصدار قوانين تسهل اطلاق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص، وتفعيل المشروعات الصغيرة وايجاد فرص استثمارية كتشغيل ميناء مبارك ومدينة الحرير لتوفير فرص عمل في القطاعات الخدمية واللوجستية والتطوير العقاري والاستثمار الصناعي والمالي والسياحي وغيرها، وفقاً لقواعد تنافسية تكون الدولة فيها منظمة ومشرفة على السوق، وجابية للضرائب من الشركات المستفيدة من هذا السوق.

يبقى أن حديث الحكومة عن الانتقال بالمدى الزمني لإعداد الميزانية من ميزانية سنوية الى متوسطة المدى (ثلاث سنوات)، مما سيعطي الميزانية بعدا استراتيجيا ومرونة أكبر في التكيف مع التغيرات في جانبي الإيرادات والنفقات، وإعادة هيكلة الميزانية العامة للدولة، يمثل احد المقترحات الجدية لإعادة ترتيب الانفاق العام، بشرط ألا يتم تخريبها بإدخال تعديلات عليها بناء على ردة فعل او ضغط سياسي.

إجراءات الاصلاح تعرفها الحكومة جيدا ولا حاجة لعمل اي دراسة جديدة، فالحلول مكدسة لديها منذ سنوات وعبرت عنها حديثا تقارير اللجنة الاستشارية الاقتصادية العليا والمجلس الاعلى للتخطيط، واليوم خطة الحكومة لتنويع الإيرادات وترشيد الإنفاق، لكن يبدو ان هناك شكاً في قدرة من لم يعمل خلال فترة الفوائض المليارية المتتالية منذ 15 عاما على اصلاح الاقتصاد ان يكون قادرا على التعامل مع تحديات صعبة كتلك التي نعيشها حاليا والتي تستلزم إجراءات عاجلة.