مع أو ضد الحوار؟
دعوات الحوار الوطني مسألة محيرة وإشكالية، ويصعب علي تبني موقف قاطع يحسم بين "مع أو ضد".الحوار مع السلطة أو ضد الحوار، كقضية مبدئية؟! إذا فكرت بصوت عالٍ، محدثاً نفسي بحجج المعارضين لفكرة الحوار، كحركة العمل الشعبي ورمزها مسلم البراك ورفاقه، بكل ما يمثله مسلم من ثقل سياسي ونضال عنيد ضد الفساد، ومواقف صلبة بالدفاع عن حريات المواطنين إزاء هجمات القمع السلطوية الأخيرة، فسأنتهي إلى عدم جدوى أي حوار مع سلطة فاقدة المشروعية الدستورية، حين تفردت بحل مجلس 2012 الأول، وفرضت الصوت الواحد، وهمشت شرائح عريضة من المجتمع الكويتي ممثلة في أبناء القبائل، وهي الأغلبية في الدولة شئنا هذا أم لا.
وأتصور أن المعارضين مقتنعون بأنه لا معنى للحوار خارج الدستور، وإذا كانت هناك فسحة للحوار مع السلطة فلتكن في الأطر الدستورية التي تصر السلطة على عدم الاعتراف بها، وماذا قدمت هذه السلطة منذ حل ذلك المجلس، غير المزيد من القوانين القمعية مثل قانون الاتصالات على سبيل المثال، ومحاولات حشر الكويت مع الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون المناقضة لدستور الدولة لتضحى الكويت بلون واحد مع شقيقاتها الخليجيات في عالم رأي السلطة الأوحد. وقد يضيف رافضو الحوار أن السلطة لم تقدم شيئاً عملياً يفتح الأمل لافتراض حسن نيتها، فأين هي بشائر الأمل حين نشهد ممارسة منهجية لقمع الشباب المغردين لأبسط الأسباب، حين وضعت قفازات اللكم القانونية على قبضتها، وباشرت توجيه اللكمات وضرب الشباب، بلا رحمة، مدمية وجوههم وأجسادهم. وشهدنا جلداً قاسياً للمواطنين في التظاهرات السلمية المعارضة، وطالعنا وقرأنا أخباراً يومية عن حملات لا تتوقف بزج مغردين في السجون، ثم تناسيهم في معتقلات الحبس الاحتياطي لفترات طويلة، لا يصح أن يقال بعدها إنه كان حبساً احتياطياً حسب القانون، بل كان تعسفاً وقسوة بالغة في أعمال قانون الإجراءات الجزائية، وهو عقوبة قاسية رامت قطع أيدي المغردين كي لا تلامس لوحة مفاتيح أجهزة الاتصالات… وننتهي اخيرا باستعراضات سحب الجناسي، وهنا أيضاً يقف هذا القانون مع "حق السلطة" بهدر الوجود الإنساني لمواطنين، وترك ذريتهم من الأبرياء منسيين في صحارى المجهول. ماذا بقى بعد ذلك! الزميل وليد الرجيب عرض بقوة في مقاله بـ"الراي" أمس بعض أسباب رفض الحوار؟بالمقابل، يسأل الداعون إلى الحوار، وحسن نياتهم مفترض، أين الحل؟! فالحراك السياسي المعارض أضعف من أن يفرض رأياً مثلما حدث في زمن مضى بعد التجمعات الضخمة في قضايا الإيداعات، وهل نتخيل مثل ذلك العسف في إجراءات القمع التي يذكرها المعارضون للحوار، لو وجد في صالة المجلس أحمد السعدون ومسلم البراك وفيصل مسلم وغيرهم من نواب سابقين! فمن المؤكد أنهم (النواب المقاطعين المعارضين) سيضعون سقفاً لتفرد السلطة بإجراءاتها الأخيرة، من سجن المغردين إلى سحب الجناسي وغيرها مثل قضايا المال العام السائب، ومهما ضعف صوت المعارضة بحكم فرض قانون الصوت الواحد، فإن القليل أفضل من العدم. وإذا كان رياض العدساني النائب السابق الذي طرق باب الصوت الواحد، ووجد نفسه، في ما بعد، مع المجلس الحالي، أنه في سكة "سد" واستقال بعد خيبة أمله في هذا المجلس، ماذا لو كان هناك بعض رموز المعارضة في المجلس وشدوا من أزر رياض في طرح قضايا المحاسبة للحكومة؟ خذوا مثالاً آخر، فنحن لم نسمع غير صوت النائب راكان النصف حين رفض انسياق مجلس الوزراء لجماعات الضغط البائسة لوقف تعيين سعد العتيبي في منصب وكيل وزارة مساعد، هل كان يحدث مثل ذلك اليتم في مواقف الحق، لو وجد أكثر من صوت راكان النصف بمجلس الصوت الواحد، ففي النهاية يردد الداعون لإنهاء المقاطعة للمجلس، مثل "العوض ولا القطيعة"، ويؤكدون قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، فهل يعد طرحهم معقولاً ومتماشياً مع فقه الواقع أم من الواجب قلب هذا الواقع على رأسه كما يطالب المقاطعون... مازلت محتاراً!