الطوفان
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
قد يتقبل المرء انصراف الجمهور عن فيلم «الطوفان»، واتهامه بأنه «سوداوي» و{قاتم»، لكن كيف تأتى للنقاد تجاهل التجربة، وعدم الالتفات إلى النقاط المضيئة فيها، وعلى رأسها الإحكام الشديد في رسم الشخصيات، وتبرير الدوافع والأسباب التي أوقعت الأبطال في ضائقة مالية، وقادتهم إلى المصير المؤلم الذي انتهوا إليه. فالابن الأكبر «إبراهيم» (فاروق الفيشاوي) ضعيف الشخصية، يعاني طمع وجشع وتسلط زوجته (ثناء يونس)، والأوسط (كمال أبو رية) يعيش مع زوجته (عبلة كامل) وأولاده في منزل حماته ويتمنى لو استقل بأسرته في شقة خاصة، والأصغر (محمود الجندي) يود لو استثمر صوته العذب وسجل ألبومه الغنائي الأول، بينما يطمح زوج الأخت (محمود عبد العزيز) إلى الفوز بمنصب «عمدة القرية» ويدفع الثمن مقدماً من خلال صفقة يبرمها مع عضو المجلس المحلي يبيع له بمقتضاها أرض العائلة كي يقيم عليها مشروعاً ضخماً، مستغلاً النهضة العمرانية التي أعقبت تدشين الميناء الجديد، والمستقبل العريض الذي ينتظر دمياط! لم تغادر كاميرا ماهر راضي البيت الريفي الذي يجتمع فيه أفراد العائلة، بعد فترة شتات، ومع هذا اتسمت الأحداث بإيقاع متوتر (مونتاج محمد الطباخ) وصراع ساخن علت وتيرته مع تسابق الجميع لإقناع الأم (أمينة رزق) بالشهادة الزور ضد العم (إبراهيم الشامي)، الذي كاد يفسد الصفقة بتأكيده أن الأرض آلت إليه، لكن الأم تتشبث بشهادة الحق، وتصبح عقبة في طريق الأبناء!حالف التوفيق بشير الديك في اختيار عنوان «الطوفان» المستمد من المأثور الشعبي «إذا جاك الطوفان حط ابنك تحت رجليك»، لكنه استبدل الابن بالأم التي ضحى بها الأولاد، بوحشية بالغة وقسوة ليس لها مثيل، من أجل المكاسب الوقتية، والمطامع الزائلة، التي تعكس التوحش الذي وصلت إليه النفس البشرية، في زمن اغتيال القيم. فالأمر المؤكد أن «الطوفان» صار عنواناً للعصر، حسب رأى «الديك»، الذي حافظ على رصانة الصور ولم يلجأ إلى «استعراض العضلات»، ولم يتخل عن حركة الكاميرا الهادئة بدرجة واضحة، بالإضافة إلى تحكمه في الأداء الانفعالي للممثلين، خصوصاً محمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي. كذلك سيطرت العقلانية على رؤيته، حتى في المشاهد التي كان يمكن أن تتحول إلى {ميلودراما» زاعقة، كمشهد موت الأم. بل إن «الديك» قدم مشهداً من أفضل المشاهد الكلاسيكية في السينما المصرية، وأعني به مشهد غناء الابن الأصغر في الحفل، والقطع المتوازي على أفراد العائلة أثناء التدبير لقتل الأم، مع التوظيف الأكثر من رائع لكلمات الأغنية، التي تتحدث عن السماء التي تُطالع ما يحدث في الأرض، والعين التي تستشعر أن ثمة من سيفارق الدنيا، والقلب المشغول بما يُدبر في الخفاء، والأمل في الخلاص بعد انقطاع حبل الخلاص.مع براعة توظيف الكلمة في وصف ما جرى تؤدي الإضاءة دوراً لا تُخطئه العين، وتصل جرعة الإثارة إلى الذروة مع ظهور الابن الأصغر في المحكمة ليؤيد شهادة الأم، وقبل أن يغادر قاعة المحكمة يُطالب القاضي بتشريح جثة الأم للوقوف على أسباب الوفاة!