ليس انسياقاً مع ما يسمى "نظرية المؤامرة"، لكن لابد من استعراض هذه المرحلة الطويلة منذ حوّل الأميركيون أفغانستان إلى ميدان لـ"الجهاد المقدس" ضد الاتحاد السوفياتي والشيوعية العالمية، وحين كانت إسرائيل قد اعتبرت نفسها مخفراً أمامياً متقدماً ضد هذا الخطر الأحمر الذي بات يقترب من المياه الدافئة، والذي يهدد منابع النفط والممرات المائية، وأهمها مضيقا هرمز وباب المندب، وقناة السويس.
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وانهيار المنظومة الاشتراكية والشيوعية، أصبحت إسرائيل بحاجة إلى مبرر لبقائها المخفر المتقدم للتصدي لـ"الإرهاب الإسلامي" المتنامي المنطلق من أفغانستان، بعد ظهور "طالبان" و"القاعدة" لاحقاً، ووقوع جريمة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، التي كرست انقسام العالم إلى معسكرين: المعسكر الإرهابي المتمثل في الإسلام وبعض الدول الإسلامية، والمعسكر الغربي الديمقراطي - العلماني المتمثل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي حشرت إسرائيل نفسها فيه حشراً، مع أنها أكبر دولة إرهابية في العالم بأسره.وهكذا فقد كانت هذه الجريمة الآنفة الذكر، جريمة الحادي عشر من سبتمبر 2001 المشبوهة، هي ومن كان وراءها، بداية كل ما نراه ونشاهده الآن، حيث فرض "القاعدة" كل هذه التنظيمات الإرهابية التي يصعب عدّها، ومن غير الممكن حصرها، ومن بينها بالطبع "داعش"، و"النصرة" و"خراسان" و"أنصار الشريعة" و"أنصار بيت المقدس"، وبالتالي فقد حدث هذا الانقسام المبكر الذي بدأ بأفغانستان، وأصبح الإسلام كله يعد معسكراً إرهابياً. وحقيقة إن إيران ونظام بشار الأسد ومعهما روسيا قد ساهموا في تعميقه وتأكيده مساهمة رئيسية، وإعطائه صيغة أن المقصود هو الإسلام السني الذي غدا ملاحقاً ومتهماً في هذه المنطقة وفي العالم كله.وبالطبع، فإن مما لا شك فيه أن عملية صحيفة شارلي إيبدو، أمس الأول، التي استهدفت الإسلام بنفس مستوى استهدافها لفرنسا، تأتي في إطار هذه المؤامرة التي يبدو أنها حققت نجاحاً باهراً، والدليل هذا الاستنفار العنصري الذي تشهده معظم الدول الأوروبية ضد المسلمين والعرب، والسؤال هنا: ألا يعني هذا يا ترى أن أسامة بن لادن قد حقق رسالته، وأن "القاعدة" قد أنجز مهمته، وأن الإسلام "السني" غدا مطارداً ومطلوباً ومتهماً ليس في الغرب فقط، وإنما في كل الكرة الأرضية.ولعل ما يؤكد أن هذه مؤامرة متداخلة ومتلاحقة الحلقات منذ غزوة "القاعدة" في الولايات المتحدة في سبتمبر 2001 أن جريمة أمس الأول قد جاءت بكل عنفها وإجرامها ودمويتها وأيضاً نذالتها، بينما اتخذت فرنسا مواقف متقدمة ومميزة تجاه الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فهي التي كانت وراء مشروع قرار وضع حد للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة عام 1967، وهي الدولة الغربية الوحيدة من بين الدول صاحبة حق "النقض" في مجلس الأمن التي صوتت إلى جانب هذا المشروع، وهي الدولة التي طالبت من خلال رئيسها فرانسوا هولاند بالتدخل العسكري لإنهاء هذه الفوضى المسلحة التي تجري في ليبيا، وهي الوحيدة التي أصرت على ضرورة التخلص من نظام بشار الأسد لتخليص الشعب السوري من مأساة استطالت أكثر كثيراً مما كان متوقعاً عندما بدأت الثورة السورية عام 2011.ولذلك فهل جريمة أمس الأول، التي فجّرت لغماً كبيراً ضد المسلمين والإسلام السني في أوروبا والولايات المتحدة، والعالم كله، مجرد نزوة شبان غاضبين على صحيفة أسبوعية استهدفت برسوماتها المتكررة الرسول محمد، عليه صوات الله وسلامه، أم ان وراء الأكمة ما وراءها، وأن هذه الجريمة التي استهدفت هذا الدين الحنيف قبل استهداف صحيفة شارلي إيبدو هي "حلقة في السلسلة نفسها التي بدأت في الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001؟!... إنها المؤامرة!
أخر كلام
إنها المؤامرة!
09-01-2015