رُبَّ كلمة قالت لصاحبها... دعني!

نشر في 17-01-2015
آخر تحديث 17-01-2015 | 00:01
 يوسف عوض العازمي ما الذي تحمله تلميحات الرئيس الإيراني حسن روحاني بالندم السعودي الكويتي، في حال استمرار انخفاض أسعار النفط؟ هل يتحدث روحاني باسمه كرئيس، أم عن رأي المؤسسة العليا الحاكمة الحقيقية بقيادة خامنئي، أم بلسان مجلس تشخيص مصلحة النظام؟ روحاني، شيئاً فشيئاً، بدأ يفقد دبلوماسيته، وأصبح يؤشر بالاسم في تصريحاته، ولم تعد الدبلوماسية وأداة التلميح نافعة لديه.

روحاني عندما يتحدث بهذه اللهجة والتلميحات (لن أقول تهديدات) فإنه يظهر ما يبطنه من مخاوف وضيق مما يحدث في السوق النفطي، وبدلاً من طاولة حوار، تتناول المشكلة وملفاتها العالقة، يلجأ إلى أضعف الحلول عبر التصريحات الباهتة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

في واقع الأمر، تعد تلك التصريحات من الرئيس الإيراني غير لائقة، ولا تبعث على الاطمئنان، ولا تواكب المرحلة الرئاسية له كرئيس جديد ذي فكر يختلف عن سابقه أحمدي نجاد، فعندما تسلم روحاني مقاليد الرئاسة استبشر الكثيرون بعودة نموذج يماثل نموذج الرئيس الأسبق خاتمي، الذي رغم ضعفه في مواجهة المتنفذين في المؤسسات السياسية والعسكرية الإيرانية، فإنه ترك انطباعاً جيداً، وشهدت فترة رئاسته هدوءاً وارتفاعاً للثقة بين إيران ودول الخليج العربي.

نعم، قد تكون الظروف مختلفة بين فترتي خاتمي وروحاني، إلا أنني أشير إلى طبيعة السلوك السياسي، الذي برع وبرز فيه خاتمي، ولم يلاق روحاني النجاح المنتظر. إيران لا تدار اقتصادياً وسياسياً بشكل جيد يقدم التنمية الداخلية والرفاهية لشعبها، فهي ليست اقتصادا نفطيا فحسب، بل إن صادراتها من الزعفران والفستق والكاجو قد تساوي أو تفوق صادراتها من النفط، كما أن في إيران صناعة سيارات تغطي جانباً مهماً من الاستهلاك المحلي، بل وتصدر بعض منتجاتها من السيارات، فضلاً عن تصديرها رقماً ضخماً من خام الحديد والصلب، وامتلاكها أيدي عاملة ماهرة وقادرة على العمل في شتى الظروف.

وإيران، رغم كل ما سبق، ورغم صناعاتها الكبيرة في مجالات كثيرة، يتهاوى سعر صرف عملتها، وتبذر أموالاً طائلة على مغامرات خارجية، وتبذخ في دعم منظمات وأحزاب لأسباب طائفية وتوسعية وسياسية، بينما يتناقص دخل الفرد في إيران، وتقدم أسوأ تنمية لدولة تملك مقدرات كمقدراتها. إن أكثر ما تحتاجه إيران الآن هو الإنصات لصوت العقل، والتوقف عن التدخلات المتهورة في شؤون جيرانها الداخلية، فهي تعلم قبل غيرها أن القوى العظمى لن تتركها تلعب وحدها في الميدان، ولن ينفعها دعم لا طائل منه، من روسيا والصين وكوريا الشمالية، أو حتى فنزويلا! ومعلوم أن دعم طهران لنظام الأسد هو دعم يتمركز في الجانب الطائفي، ويستند إلى تبعات ومهمات تصدير الثروة التي بالأساس لم تنفع شعبها الواقع تحت ظروف اقتصادية يائسة! غير أنها لم لا يمكن أن تتمادى بدون تحركات مضادة من الدول المتضررة، إذ لا يوجد عاقل يؤيد ما تقوم به في اليمن وتهديداتها المبطنة، تلميحاً باستخدام ورقة مضيق هرمز، أو دخول الحوثيين على خط باب المندب.

فالسعودية والكويت أيضاً، وهما اللتان اشتهرتا بسياسة عقلانية تقوم على عدم التدخل في شؤون الآخرين، لهما الحق في استخدام ما يضمن تحقيق مصالحهما السياسية، فالمصالح ليست حكراً على إيران وحدها، فلكل دولة الحق في ما تراه مناسباً، وإذا كانت إيران ترى في انخفاض الأسعار كارثة فغيرها يرى أنه علاج ناجع.

على إيران، إن أرادت العلاقات الجيدة، والهدوء بمحيطها، أن تعترف بأنها ليست وحدها اللاعب الوحيد، فباكستان على حدودها، وتركيا على الجهة الأخرى، والخليج العربي في غربها، وإن سكت الجميع "فلا تظنن أن الليث يبتسم"! المجتمع الدولي لن يترك إيران تقدم السلاح بدلاً من الخبز، وتهدي الصواريخ بدلاً من حليب الأطفال.

السعودية والكويت من خيرة دعاة السلام في العالم، ولا تستحقان أي تهديد أو تلميح بذلك من روحاني أو غيره، وهما قادرتان على الرد عليه وإفحامه، وعليه إن أراد السلام، وعودة الأمور إلى نصابها، أن يعيد السياسة الإيرانية إلى رشدها وعقلانيتها... وقتها، يمكن التفاهم بكل طمأنينة، وتحقيق المصالح المشتركة، أما التهديدات وأعمال الفتوة، فلا روحاني ولا غيره سيكون قادراً على تحمل تبعاتها.

back to top