وثيقة لها تاريخ :حاجي أحمد في يومياته عام 1863: «الزبير» لها سور و«سفوان» قصر مربع صغير له أبراج
أشرت في المقال السابق إلى التقاء بعض تجار الكويت في الباخرة المتجهة من بوشهر إلى البصرة بالمقيم البريطاني في بوشهر، ومن معه في شهر فبراير عام 1863، وذلك في أول يوم من أيام الرحلة التي وثقها حاجي أحمد، وبات الجميع في السفينة، التي كانت راسية في عرض البحر، لعدم وجود ميناء مناسب لحجمها في بوشهر. وفي اليوم الثاني هبّت ريح شمالية قوية، ومن شدتها أصبح متعذراً نقل أي شيء من البر إلى السفينة، إلا أنه في فترة العصر وصلت "بقارة"، وهي سفينة كبيرة، إلى الباخرة وعليها بعض الركاب من أهل الكويت وانتقلوا إلى الباخرة، إلا أن ولداً صغيراً في السن من أهل الزبير سقط في البحر، ولم يستطع أحد أن ينقذه بسبب "الطوفان" أو العاصفة. يقول حاجي أحمد: "اشتد طوفان الشمال ولا يقدر أحد يتردد من البر إلى المركب، بعد العصر وصلت بقارة بعد علاج كلي من البر وصلوا فيها بعض من عرب أهل الكويت الذي كانوا نازلين البر وطاح من البقارة ولد من اهل الزبير ومن شدة الريح والموج ما قدروا يلزمونه وفات".
ويبدو أن الكويتيين، العائدين إلى بلادهم من الهند، اجتمعوا وهم على ظهر السفينة بالمقيم البريطاني، وهو "لويس بلي"، الذي أخبرهم بنيته زيارة الكويت، إلا أن حاجي أحمد لم يخبرنا بما دار من حديث بين الطرفين. في اليوم الثالث، وهو يوم الخميس، خفت حدة العاصفة، ووصل إلى السفينة محمد علي خان النواب، ومعه قبطان السفينة (الأوكاتي) والتقيا بالمقيم البريطاني، ثم تحركت السفينة في الساعة 10:50 دقيقة صباحاً نحو البصرة، وفي الطريق مرت السفينة بجزيرة خارج وجزيرة خويرج. يقول حاجي أحمد إن الكرنل بلي اتفق خلال اليوم الثالث مع أهل الكويت على أن يرافقوه في رحلته براً من البصرة إلى الكويت. وفي اليوم التالي صباحاً بدأت السفينة تدخل إلى مياه شط العرب، وعند الظهر توقفت مقابل منطقة العشار وكان فيها سفينتان بخاريتان إحداهما لتاجر بريطاني اسمه مستر لينغ والثانية للأتراك. وقد التقى المقيم البريطاني بقائد سفينة لينغ واسمه "هالند" وتحدث معه فترة، ثم أمر حاجي أحمد بأن يبلغ وكيلهم في البصرة، واسمه إبراهيم، بأن يأخذ بعض الأغراض، وأن يصعد على ظهر السفينة. أما أهل الكويت فقد نزلوا من السفينة في الليل وباتوا في العشار، فيما كتب الشيخ محمد بن فهد الصويّح كتاباً لأخيه الشيخ عبدالله في الزبير لجلب 23 حماراً "كديش" لتحميل الأمتعة واستخدامها في الانتقال إلى الكويت. وبعد استراحة قصيرة وجولة قصيرة في إسطبل الشيخ محمد جلبي الزهير، انطلق الجميع إلى مدينة الزبير ووصلو إليها بعد ساعتين، وعند وصولهم نصبوا الخيام خارج سور المدينة وأمضوا ليلتهم فيها، ثم انطلقوا مرة أخرى في اليوم التالي باتجاه مدينة سفوان. يقول حاجي أحمد "الضحى ركبنا من الزبير قاصدين السفوان فوصلناها بعد العصر والمسافة 6 ساعات وهي قصر صغير مربع بالبروج خالي من السكن وحوله كم بيت شعر للبدو وماء حلو من الابيار وغدير من المطر ويزرعون حوله والمسافة منه الى البحر 3 ساعات وصار مضرب الخيام في ذرى القصر من جنوب وجماعة الكويت وصلوا في اثرنا وتواجهوا مع جناب الصاحب سلمنا في هذا المنزل الى المكادية على الحساب من جهة الكري مايتين قران". في المقال القادم سنتحدث عن قرية الجهراء كما شاهدها حاجي أحمد وملاحظاته حولها.