أسرار حرب غزة!

عندما تكون حرب غزة الأخيرة ليست حرباً فلسطينية ولا علاقة لها بمنظمة التحرير ولا بالسلطة الوطنية ولا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) فإنه أمرٌ طبيعي أن "تَرْكب" حركة "حماس" رأسها وأن تتصرف بعد وقف إطلاق النار، الذي قد يتجدد في هيئة هدنٍ متلاحقة، وكأن حكومة الوفاق الوطني كانت مجرد "زواج متعة" وكأن قطاع غزة محمية لها لا يحق لأي تنظيم آخر، حتى بما في ذلك "فتح" أم الثورة الفلسطينية المعاصرة، أن يبدي رأيه أو يتحدث، ولو بكلمة واحدة... وإلاَّ أُطلِقتْ النيران على أقدامه وربما على صدره أيضاً وربما وُضِع قيد الإقامة الإجبارية.

كان هناك تخطيط لهذه الحرب لهدفٍ غدا معروفاً، وهو إثبات أن الإخوان المسلمين بعد هزيمتهم في مصر مازالوا قادرين، إن ليس على الفعل، فعلى المشاغبة في الساحة العربية، والفلسطينية تحديداً، وأنّ وكلاء الإخوان المسلمين وبالتالي وكلاء "حماس" هم أصحاب القرار في هذه المنطقة، إن بالنسبة للقضية الفلسطينية وإن لليبيا واليمن وإطلاق رهائن جبهة النصرة من إيرانيين وقوات دولية... ولهذا فإنه أمرٌ محسوب حسابه أن ينفجر "أبو مازن" كل هذا الانفجار وأن يرد الناطق باسم خالد مشعل هذا الرد، وأن ينقلب الوضع الفلسطيني رأساً على عقب، وأن يتضح أن منظمة التحرير كناطق شرعي ووحيد وكمفاوض مع الإسرائيليين ومع الأميركيين وغيرهم، هي المستهدفة، وهي لا تزال مستهدفة ويبدو أنها ستبقى مستهدفة.

كانت "حماس" قد نفت أي علاقة لها باختطاف الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم، لكنها ما لبثت أن اعترفت، ومن إسطنبول وعلى لسان أحد كبار قادتها على هامش اجتماع مجلس شورى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الأخير، بأنها هي التي اختطفت هؤلاء وأنها التي قتلتهم، وهذا يعني أن هذه الحرب الأخيرة كان مخططاً لها واستدراج الإسرائيليين إليها الذين كانوا ينتظرون مثل هذا الاستدراج... وهنا فالمؤكد أن الأيام المقبلة ستكشف أموراً كثيرة، منها ما جرى خلال الاجتماع العاصف الأخير الذي تم في الدوحة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وكل من خالد مشعل ونائبه موسى أبومرزوق.

كما ستكشف الأيام القريبة أيضاً أن المفاوضات الحقيقية التي تمت لوقف إطلاق النار هي المفاوضات التي كان يديرها وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الإسرائيليين ومع الدوحة ومع القاهرة، وبالطبع مع (أبو مازن) وأن باقي ما تبقى هو مجرد استعراضات أثبتت سابقاً ولاحقاً أنه لا يوجد وفد فلسطيني مفاوض واحد، وأن صيغة "الفصائل" كان المقصود بها تغييب منظمة التحرير التي لا تعترف "حماس" بها، والتي تواصل الإصرار على عدم الانضمام إليها رغم مفاوضات "ماراثونية" استمرت أكثر من سبعة وعشرين عاماً وتنقلت بين عواصم عربية وغير عربية كثيرة.

لقد كانت حكومة الوفاق الوطني مجرد تحايل على واقع الأمور ومجرد تلاعب بعواطف الشعب الفلسطيني، الذي ملَّ كل هذه الألاعيب و"زهقها"... وإلا لكانت هي المسؤولة عن خطف وقتل الإسرائيليين الثلاثة، وإلا لكان قرار هذه الحرب المدمرة قرارها، ولكانت هي التي فاوضت على وقف إطلاق النار لا جون كيري... والآن فالواضح أن دور هذه الحكومة، التي وُلِدت ميتة وغير موجودة، قد انتهى نهائياً، وأن "حماس"، التي يهدد قائدها خالد مشعل بحروب جديدة، إنْ في غزة وإنْ في الضفة الغربية، تسعى، وهي بقيت تسعى على مدى كل الأعوام السابقة منذ التحقت بالعمل الوطني الفلسطيني متأخرة اثنين وعشرين عاماً، إلى القضاء على منظمة التحرير وإلى تهميش حركة "فتح" وإلى إنهاء السلطة الوطنية. وهكذا فإنَّ الأيام قادمة وستكشف أن هناك مؤامرة كبيرة تستهدف القضية الفلسطينية التي بقيت مستهدفة منذ عام 1948 وقبل ذلك وحتى الآن!

لقد اتضحت كل خفايا هذه الحرب القذرة المدمرة حتى قبل أن يصيح الديك، ولذلك فالمنتظر من الرئيس محمود عباس (أبو مازن) أن يعيد النظر في كل شيء... وألا يندفع إلى أي خطوة، لا في اتجاه مجلس الأمن الدولي ولا في اتجاه غيره بدون حسابات دقيقة، وأن يحافظ على منظمة التحرير ويحميها بحدقات العيون وألا يفرط في السلطة الوطنية وأنْ يتمسك بعملية السلام ولا يسمح بانهيارها، وأن يعزز العلاقات مع مصر والمملكة العربية السعودية ومع الأردن، وأن يحاصر الخلاف مع دولة الإمارات العربية المتحدة... إنه سيكون لحرب غزة انعكاسات خطيرة كثيرة وإن هناك تحالفاً عموده الفقري الإخوان المسلمون له حسابات غير حسابات الشعب الفلسطيني، ولديه استعداد للتضحية بالقضية الفلسطينية من أجل تحقيق هذه الحسابات.