لا يعلم الفيتنامي تان تراي شيئاً عن العامل البرتقالي لكن الأطباء يقولون إنه يعيش ضحية لآثاره حتى يومنا هذا بعد أن هبط من سريره الخشبي وهو لا يزال بعد طفلاً وظل يحبو بحثاً عمن يقدم له الغذاء.. والآن يبلغ من العمر 25 عاماً.
وتعرضت والدته فو ثي نهام للعامل البرتقالي عندما قامت القوات الأمريكية برش هذه المادة الكيميائية على مساحات واسعة من فيتنام قبل نصف قرن سعياً لتدمير الغابات التي كان رجال المقاومة في فيتنام يحتمون بها أثناء حرب فيتنام.وتعتقد نهام أن العامل البرتقالي هو السبب الذي جعل ابنها يعاني من إعاقة بدنية وعقلية.وقالت نهام في بيتها الواقع بمدينة دانانج بوسط فيتنام "أضير آخرون حولي بالعامل البرتقالي أيضاً لكنه كان قاسياً حقاً بالنسبة إلينا، بوسعهم المشي على الأقل.. لكنه عاجز عن الحركة".وجلس تراي متكوماً على أرضية البيت تحت قدمي أمه وقاطعها مصححاً ما تقوله "بل يمكنني السير معتمداً على ساعدي".والعامل البرتقالي هو الاسم المتداول لمبيدات الأعشاب التي كان الجيش الأمريكي يستخدمها ضمن الحرب الكيماوية بفيتنام وهي المادة التي تعمل على سقوط أوراق الأشجار التي كان مقاتلو فيتنام يختبئون أسفلها.وهذا الأسبوع يمر 40 عاماً على انتهاء الحرب الفيتنامية فيما تتلاشى ذكرياتها في أذهان الشبان من سكان البلاد.لكن العامل البرتقالي هو التركة المثقلة التي تستعصي على النسيان مع استمرار انجاب أطفال من الجيل الثاني بعد الحرب من ذوي الإعاقة التي يقول الأطباء إنها مرتبطة بالعامل البرتقالي الذي يُستخدم أصلاً في إزالة أوراق الأشجار.وقالت الجمعية الفيتنامية لضحايا العامل البرتقالي والديوكسين إن نحو ثلاثة ملايين فيتنامي يكابدون أمراضاً فتاكة وإعاقات بعد تعرضهم للعامل البرتقالي.واليوم يمكن مشاهدة المصابين بعاهات في كل مكان ففي الشوارع يحمل متسولون أطفالاً تضخمت رؤوسهم أو تقوست سيقانهم بصورة فظيعة، وظهر آخرون وقد انحنت قاماتهم وولد البعض منهم دون عيون.وانتقل مراسل من رويترز من شمال فيتنام إلى جنوبها هذا الشهر ووثق حياة الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة فيما قال أقاربهم من الأطباء إنه سبق تعرضهم للعامل البرتقالي.وقال الجندي الفيتنامي السابق دو دوك ديو إنه دفن بنفسه 12 من ابنائه البالغ عددهم 15 بعد أن توفوا في طفولتهم وقد أعد بالفعل قبرين لبنتين تكابدان المرض وقد لا يكتب لهم عمر طويل.يرقد لو دانج نجوك هونج البالغ من العمر 15 عاماً على بساط ويظل صامتاً معظم أوقات اليوم وقد تحجرت عيناه وتهدلت شفتاه، وهونج عاجز عن السير وله بشرة رقيقة كالطفل الوليد لأنه قلما يغامر بالخروج من بيته.وقالت والدته لو ثي ثاو وهي تسترجع الذكريات عندما اكتشفت إعاقته "إنها ذكرى حزينة، لكنه ابني لذا فإن من الطبيعي أن أحنو عليه".والعامل البرتقالي مشكلة معقدة يثور جدل واسع بشأن عواقبها منذ زمن طويل ونشأت عنه دعاوى قضائية أقامها فيتناميون وقدامى الحرب الأمريكيون.وتوصلت دراسات أمريكية إلى وجود مخاطر مرتفعة من الإصابة بسرطان البروستاتا وسرطان الدم والجلد لدى العسكريين الذين تعرضوا لهذه المادة.وسرعان ما أصبحت الولايات المتحدة حليفاً مهماً لفيتنام بيد أن العامل البرتقالي لا يزال مصدراً للخلافات.واعتمدت الحكومة الأمريكية 43 مليون دولار عام 2012 لتطهير الأراضي الملوثة بمادة الديوكسين جراء استخدام كمية تقدر بنحو 20 مليون جالون من العامل البرتقالي تم رشها في فيتنام بين عامي 1962 و1971 لكن كثيراً من الفيتناميين يقولون إن هذا غير كاف.إلا أن بعض قدامى المحاربين الأمريكيين أبدوا تعاطفهم مثل تشوك بالازو الذي أفنى سنوات من عمره في التعاون مع الفيتناميين لمكافحة الوصمات العنيدة التي تخلفت عن العامل البرتقالي.إلا انه لا يبدو واثقاً من الفوز في المعركة.وقال "هل سارت الأمور نحو الأفضل أم نحو الأسوأ؟ إنها معركة طاحنة وعليك أن تصمد، ليست لدينا أي فكرة حتام سيستمر هذا الوضع".
أخر كلام
مع تلاشي ذكريات الحرب.. فيتنام لا تزال تكابد تركة "العامل البرتقالي"
29-04-2015