لا يوجد، عادة، موظف عام يعمل حتى الساعة الثالثة ظهراً في وطن أبرز معالمه ظاهرة التسيب في العمل وغياب العقوبة الإدارية. يوم الخميس الماضي شاهدت منظراً مشرفاً يعد استثناءً لظاهرة الإهمال الكويتية، ففي المنعطف الواصل بين الدائري الأول وشارع المغرب السريع ناحية ضاحية عبدالله السالم، رأيت رجلاً بالدشداشة والعقال يقف مع العمال الذين يشتغلون في توسعة المنعطف.

Ad

 شكل غريب يشد الانتباه أن ترى أحدهم يرتدي الزي الوطني ويقف مع الكادحين الأجانب ويؤشر بيديه يرشدهم، أو يوجههم، في عملهم... صورة مبهجة انطبعت في ذهني تبشرني بأن الكويتيين ليسوا كلهم ملوك العمل الإداري يقدسون الجلوس خلف المكاتب، ويوقّعون على دفتر «الزام»، أو يبصمون بالكارت ثم يخرجون للسياحة في الشوارع.

   لم تكن هيئة ذلك الرجل «أبو الدشداشة والعقال» غريبة عليّ، هو متوسط الطول، نحيف بعض الشيء، تبدو عليه علامات الجدية حين يتحدث مع العمال، كل هذا حدث خلال انطباع سريع كوّنته عنه وأنا أقود السيارة، من يكون هذا المجتهد؟! ربما هو موظف بالشركة التي تنجز العمل مهمته الإشراف الهندسي، أو قد يكون أي عامل فيها.

 ولكن بدا لي أنه يشبه أحد الأشخاص الذين أشاهدهم، أحياناً، في كثير من وسائل الإعلام...! بعد القليل من محاولات التذكّر السريعة قفزت في ذهني صورة وزير الكهرباء والماء ووزير الأشغال عبدالعزيز الإبراهيم… هو ذاته... لم يكن معه حاشية من بلاط الوزارات التي عادة ترافق أصحاب المعالي حين يتفقدون سير المرفق العام، كأنهم يدركون كيف يسير هذا المرفق، أو ماذا تكون طبيعته، وكم من «البلاوي... من فساد وفوضى إداريين وغياب حكم القانون تقبع فوقها معظم المرافق عامة.

   لم تكن هناك كاميرات إعلامية ترافق الوزير، مثل الكثير من زملائه من وزراء «الرزة» والبهرجة الإعلاميتين، حتى تنطبع في أذهان الناس البسطاء صورة «الوزير الكبير الأب» الساهر على خدمة الدولة وراحة أبنائه وإخوانه المواطنين.

 تفحصت الجرائد اليوم وأمس... قد تكون هناك كاميرا خفية خلف الوزير الإبراهيم لتنقل لنا مشاهد تفاني «معاليه» في العمل... لكن لم تظهر له أي صورة ولا خبر في جرائدنا الغراء، التي تزين «منشيتاتها» صور شيوخنا الأعزاء، وهم يسلّمون على البسطاء من الناس وقد رسموا ابتسامات عريضة على وجوههم وهم يتفقدون أحوالنا (نحن الرعية الذين لا ينقصنا شيء)، ويسهرون على خدمتنا، يستجيبون لطلباتنا التي لا تنتهي... ولا ينتظرون دعواتنا لهم بطول العمر حين نختمها بقفلة دعاء «يارب لا تغير علينا»!

 آسف، سرحت قليلاً، مع ألبوم كبارنا من الرسميين، حفظهم الله، حين يؤدون المعجزات في تقدم ورخاء دولتنا الفتية، حفظها الله… بينما كان من المفروض أن يبقى الموضوع محدداً بالإبراهيم... وزير بلا رتوش... وبلا بشت... وبلا زغاريد إعلامية...!

  تساءلت عن سر إخلاص الوزير الإبراهيم في عمله، مع أن أي وزير في وضعه، وهو يشاهد معظم مسؤوليات وزارة الأشغال يتكفل بها الديوان الأميري، أن يزعل، ويتكدر ويترك ما تبقى من عمل وزارته للديوان الأميري صانع المعجزات، أو يستقيل ويترك منصبه ووزارة الأشغال كلها، لعبدالعزير إسحاق الوكيل في الديوان الأميري... فهذا الأخير أشاهده بالتلفزيون دائماً بالبشت الزاهي في عالم يضج بالأناقة والكياسة الرسميتين، يسير على أرض رخامية تتلألأ… ليس لنا أن نسير عليها… بطبيعة الحال، لن أشاهده ولن أتخيله عند منعطف طريق المغرب السريع.