تناولت في مقال الأحد الماضي محاولات الأحزاب لتكوين ائتلاف تخوض من خلاله الانتخابات المقبلة، وأن أول ما يتهدد هذه الائتلافات هو العائلات والقبائل والعشائر التي تسعى إلى تثبيت وجودها على الساحة السياسية لحماية مكاسبها في المال السياسي، في ظل نظام حكم مبارك، الذي تزاوج فيه المال بالسلطة، وأن هذا النظام بأغلبيته البرلمانية الساحقة التي كان يحققها بالتزوير والمال السياسي ومحاصرة اللجان الانتخابية لمنع الناخبين من التصويت، قد استطاع أيضاً بهذه الأغلبية إسقاط العضوية عن الرموز الوطنية البرلمانية التي نجحت في انتخابات المجالس التشريعية السابقة، والتي عرضنا لبعضها في المقال السالف الذكر، كمال الدين حسين وعاشور وأبو العز الحريري الذي كان يصارع الموت وقت كتابة المقال، والذي نعيناه على صفحات "الجريدة" يوم الاثنين الماضي، كما أسقط النظام السابق عضوية نائبين من حزب الوفد هما عبدالفتاح حسن وطلعت رسلان، ومن بين من أسقطت عضويتهم كذلك:
نائب حزب التجمع الوطني أحمد فرغلي كما أسقط مجلس الشعب بقراره الصادر في 12/8/1981 عضوية النائب أحمد فرغلي، لأنه اتهم الحكومة في مؤتمر صحافي بأنها تدبر لاغتيال خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي في ضوء التقرير الذي قدمته اللجنة المشتركة التي شكلها المجلس، وكانت اللجنة قد استبعدت في تقريرها افتراض حسن النية في العضو، لما زعمته من ترديده إشاعة كاذبة تؤدي إلى تكدير الأمن العام، وتلقي الرعب في الناس، وتمس بالسلام الاجتماعي.انتهاك الحصانة البرلمانية ولم يكن يبرر إسقاط عضوية أي من هؤلاء ما أتاه هؤلاء من أقوال وآراء داخل المجلس، وهم محتمون بحصانتهم البرلمانية، التي لا تجيز مساءلة أو مؤاخذة عضو البرلمان عما يبديه من آراء داخل المجلس وعدواناً على ولاية القضاء، بالنسبة إلى ما صدرت منهم من أقوال أو وقعت منهم من أفعال خارج المجلس، ولكن يرجع إلى ذلك سيطرة الحزب الحاكم على أكثر من ثلثي مقاعد في البرلمان، وأن كل من أسقطت عضويتهم كانوا من الأقلية المستقلين أو أحزاب معارضة.ويظل إقصاء المعارضة وارداً وبالرغم من أن دستور 2014 قد خلا من الأحكام التي كانت واردة في دستور 2012، والتي تضم أحكاما بالعزل السياسي لأعضاء مجالس ما قبل الثورة، فإن إقصاء أي معارضة برلمانية لا يزال وارداً في دستور 2014 بقرار تصدره أغلبية ثلثي مجلس النواب، وهو الحكم الوارد في المادة (110) من الدستور إذا فقد الثقة والاعتبار، أو فقد أحد شروط العضوية التي انتخب على أساسها، أو أخلى بواجباتها يجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه.وأشد ما يؤخذ على هذا النص.1- أنه أهدر كل الضمانات بالنسبة إلى الأقلية، إذ يمكن للأغلبية البرلمانية أن تتخلص من المعارضة على سند من عبارات هذا النص التي جاءت بالغة العموم والسعة، كعبارة إذا فقد العضو الثقة والاعتبار، أو أخل بواجبات العضوية، فهي عبارات تتعدد تأويلاتها وتفتقد التحديد الجازم لضوابط تطبيقها، مفتقرة إلى عناصر الضبط والإحكام المضوعي، بحيث لا يأمن أحد معها مصيراً، ويجعلها موطئاً للإخلال بالحقوق الدستورية للأقلية.2- إن إقصاء النائب، وقد استودع أمانة النيابة عن الأمة من خلال اختياره في انتخابات عامة حاز فيها ثقة المواطنين الذين انتخبوه لتمثيلهم، من منصبه النيابي لإخلاله بواجباته النيابية أو باقترافه الأعمال التي حظرها الدستور، ينطوي على مصادرة لإرادة شعبية هي التي أوصلته إلى المنصب النيابي.3- المبدأ الدستوري الذي يقرر أن السيادة للأمة مصدر السلطات جميعاً، بمعنى أن يكون لإرادة الأمة السلطة العليا التي لا تعلو عليها ولا توازيها أو تعادلها سلطة أخرى، ولو كانت سلطة البرلمان، ومن ثم لا يملك البرلمان عزل نائب اختارته الأمة.وهو ما يقرره الفقه الدستوري من أن علاقة النائب بالناخبين هي علاقة وكالة إلزامية، وأن الأمة وحدها هي التي تملك بموجب هذه الوكالة حق عزل الوكيل بعد أن يقدم لها حساباً عن أعماله، عندما يحين موعد التجديد لأعضاء البرلمان.4- ما يقرره الدستور من حصانة برلمانية لأعضاء البرلمان، وأن عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال، كما لا يسأل العضو عما يبديه من آراء تتعلق بأعماله في المجلس الذي ينتمي إليه. وهي حصانة تمنع من مساءلة العضو أمام أي سلطة من السلطات بما فيها سلطة المجلس، ولا يجوز للعضو أن ينزل عنها ولا يجوز لمجلس الأمة رفعها عنه.
مقالات
ما قل ودل: خارطة الطريق والانتخابات البرلمانية القادمة في مصر (2)
14-09-2014