أهم حقيقة أكدتها نتائج الانتخابات التركية الأخيرة هي أن هناك أمة كردية في هذه المنطقة الشرق أوسطية "أهملتها" اتفاقيات "سايكس – بيكو"، سيئة الصيت والسمعة، وبقيت غير معترف بها، وأبناؤها موزعون بين تركيا والعراق وإيران وسورية، حيث تعرضوا منذ الحرب العالمية الأولى، وعلى مدى نحو قرن كامل، للقهر والاستلاب والبطش والمذابح، والتعليق على أعواد المشانق، كما حدث في كرنشاه "الإيرانية"! أكثر من مرة.
ولعل ما يجب أن يقال، بعد هذا الفوز الهائل الذي حققه أكراد تركيا، أن "الديمقراطية" هي الحل الصحيح للمشكلة الكردية، وأن تجربة حزب العمال الكردستاني - التركي بقيادة عبدالله أوجلان قد تكون نبهت العالم إلى وجود هذه المشكلة، لكنها في المحصلة كانت فاشلة، والسبب أنها تحولت إلى أداة في الصراعات الإقليمية، واستخدمت من قبل أنظمة، من بينها نظام الأسد، الأب والابن، في قضايا لا علاقة لها لا بالأكراد ولا بقضيتهم.ولعل ما يجب أن يقال بعد هذا الفوز أيضاً إن تعامل الأنظمة التركية التي تلاحقت بعد انهيار الدولة العثمانية وحتى بدايات هذا العهد الديمقراطي لم يكن مستغرباً فقط، بل عقيماً وجائراً، وأدى إلى ردود أفعال عنيفة كانت ولاتزال تجربة حزب العمال الكردستاني – التركي وعبدالله أوجلان إحدى تجلياتها، إذْ إن من غير المعقول وغير المقبول أن يعرَّف أبناء شعب كامل يزيد عددهم، وفقاً لبعض التقديرات، على خمسة عشر مليوناً على أنهم "أتراك الجبل"، ويحرمون من استخدام لغتهم القومية وارتداء ملابسهم الوطنية.الآن هناك مؤشرات وأدلة كثيرة على أن "سايكس – بيكو" لم تَعُدْ مقدسة، وأنه قد تكون هناك خرائط جديدة لهذه المنطقة، وحقيقة أن هذه مسألة يجب التوقف عندها بكل جدية، إنْ في تركيا وإنْ في العراق وإنْ في سورية، وقبل ذلك إنْ في إيران التي بحجة أنها دولة إسلامية ترفض أي نزعة قومية لا وجدانية فقط، ولا استقلالية، وتواصل اضطهاد هذا الشعب وتعليق أبنائه على أعمدة الكهرباء كأعواد مشانق.إنه ظلم تاريخي أن يبقى الأكراد يعيشون واقعاً مؤلماً فُرض عليهم أيام "سايكس – بيكو"، في فترة زمنية مجحفة وجائرة ويقيناً أن علينا -نحن العرب- أن نكون الأكثر حماساً لنيل هذا الشعب العظيم، الذي شاركنا في الدفاع عن هذه المنطقة العربية ضد كل الغزاة المستعمرين، حقوقه، وهنا فإن المفترض أن بطولات صلاح الدين الأيوبي لاتزال تدرس في كل مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، ومن المفترض أن الكل يعرف أن أشقاءنا الكرد قد بقوا، إن في سورية وإن في العراق وإن في فلسطين والأردن، يشكلون جزءاً من حركتنا الوطنية وأيضاً القومية، وأن أهم وأعظم شعراء العربية في القرن العشرين أحمد شوقي، هو أساساً ينحدر من هذه الأمة الكردية الشقيقة فعلاً للأمة العربية.وهكذا فإن أهم الحقائق التي أكدتها الانتخابات التركية الأخيرة هي أن "الديمقراطية" هي الحل الناجح والشافي لكل المشاكل العالقة، وأن حل أي عقدة بالأصابع أفضل ألف مرة من حلها بالأسنان، وهي أنه لم يعد هناك أي مجال على الإطلاق لوصف أكراد تركيا بأنهم "أتراك الجبل"، كما يجب أن تأخذ هذه الأمة الكردية مكانها الذي تستحقه في هذه المنطقة، مثلها مثل الأمة العربية والأمة التركية والأمة الإيرانية أو الفارسية... لا فرق.
أخر كلام
الانتخابات التركية: «أهم الحقائق»!
10-06-2015