جاء فوز «كتاب الأمان» لياسر عبدالحافظ بجائزة أفضل رواية للكبار «ساويرس» ليؤكد أن العبرة ليست بالكم، لأن الرواية الفائزة هي العمل الثاني للروائي. أشار عبدالحافظ في حواره مع «الجريدة» إلى أن انشغاله بأعمال أخرى سبَّب قلة إنتاجه، قائلاً: «لم توفر مؤسسة في العالم العربي الفسيح والثري مشروعاً واحداً ليتمكن الأدباء والفنانون من التفرغ لأعمالهم».

Ad

وصفك الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل بأنك أشد دهاء ونضجاً من أقرانك في روايتك «كتاب الأمان»، ولديك قدرة هائلة على التلاعب بمستويات السرد ومحاكاة الواقع. لماذا إنتاجك الأدبي قليل؟

نعرف الواقع الذي نحيا في ظله، وهذا السؤال يمكن توجيهه إلى فنان متفرغ في الغرب توافرت له الظروف ليعمل على مشروعه فحسب. أما هنا، فليس لدينا الوقت الكافي ولا البال المرتاح لنعمل على ما خلقنا الله من أجله. لا توجد مؤسسة واحدة على امتداد العالم العربي الفسيح والثري وفرت مشروعاً واحداً ليتمكن الأدباء والفنانون من التفرغ لأعمالهم. ربما تجد محاولات، لكنها ليست كافية أبداً. في الغرب يمكنك كفنان أن تعيش من عائد الندوات والقراءات، بخلاف الاستضافات الكاملة في بيوت الأدباء والفنانين، ومنح التفرغ، وغيرها الكثير... لماذا؟ لأنها أمم تؤمن بقيمة الفن في صياغة عالمها.

أما هنا، فنحن نتحدث عن القوى الناعمة، وأهمية الثقافة والأدب والفن، إنما لا قيمة لكلامنا. أسألك: كيف يمكن لفنان في هذه البلاد الجاهلة أن يحقق مشروعه إلا بمعجزة، إذا كان يعتمد على إيمانه بما يفعل وليس على أي شيء آخر؟

هل اهتمامك باللغة نابع من إحساسك الشديد بأهميتها في العمل الأدبي؟

أحب اللغة، لا علاقة لذلك بالنص الأدبي، هي ربما هواية. اعتدت في صغري حفظ الشعر، وترداده، حتى إن لم أفهمه: {أبا هند فلا تعجل علينا فما كنا لأمك موقتينا.. وأنذرنا نخبرك اليقين بأنا نورد الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطينا}. عندما فهمت معنى الشعر الذي كنت مفتوناً به، نسيته إلا القليل منه وبقيت اللغة، ذلك السحر الذي يمكن أن نصنعه بها، تنويع المفردات في جملة واحدة وعلى مدار النص مما يصنع موسيقى. بالطبع يحتاج هذا العنصر الإنشائي إلى انتباه كامل كي لا يطغى على عناصر النص الأساسية.

هل ترى أن المبالغة في الكتابة عن الذات من عيوب جيل التسعينيات؟

لا أعتقد ذلك. بالنسبة إلي، لا مشكلة في الكتابة عن الذات على الإطلاق، يمكن استخدام الذات في العمل الفني، وهذا أمر شائع عبر تاريخ الفن، الشرط الوحيد أن يكون المُنتج فناً.

تعريف

يرى البعض أن {الأدب مجرد تشكيل جمالي للغة}. ما رأيك؟

لا يحمل الأدب تعريفاً محدداً، لأنه ببساطة يستوعب كل شيء. باستطاعة العمل الأدبي الجيد أن يخرجك من إطار هذا العالم الضيق، واللغة ليست إلا أداة نحو الوصول إلى الهدف.

هل تقلل صعوبة العمل الأدبي من عدد قرائه؟

بالتأكيد، خصوصاً في مصر، حيث لا يمكن مثلاً قراءة {عوليس} لجيمس جويس على نطاق واسع. لكن في بلاد مثل سورية ولبنان والعراق، ستجد قراء كثيرين لها، ولغيرها من أعمال نعتبرها هنا صعبة وليست متداولة إلا في نطاق خاص. فمسألة الصعوبة لا يمكن الإمساك بها بشكل كامل، ولا يمكن القياس عليها أو الاستجابة لها عند الكتابة، وإلا فإننا نغامر بتحويل ما نكتبه من فن إلى {بيست سيلر}.

{الصحافة مقبرة الأدباء}... هل تتفق مع هذه المقولة، وأنت عملت لسنوات في مصر والكويت كصحافي؟

نعم، أتفق معها تماماً. الصحافة تسلب لغتك وأفكارك، هي عمل سطحي ولا أريد القول بأنه تافه، خصوصاً بعدما اكتمل تحللها من شرطها الأساسي وهو فضح الفساد لتصبح صوتاً موالياً للسلطة، وهي بذلك عمل لا قيمة له على الإطلاق، ضررها أكبر من نفعها، ولو قدر الله لي أن أتجنبها لفعلت.

هل الجوائز هي منتهى طموح الأديب والدليل الوحيد على جودة سرده أم أن انتشار العمل جماهيرياً يؤدي دوراً في تكريس الأديب؟

الجوائز هي منتهى طموح الأديب مادياً لا أكثر، هي وسيلته وأمله بالتفرغ لمشروعه. ربما تكون بالنسبة إلى البعض الدليل على جودة العمل الأدبي. أما أنا فلا أعتقد أن حصول عمل على جائزة دليل على أنه الأفضل وغيره لا.

هذه مسألة تتعلق بذائقة لجنة التحكيم، وهذا أمر علينا أن نفهمه جيداً كي تهدأ النفوس قليلًا وتتخلص من تلك الصراعات التي لا طائل فيها.

ربما يرى البعض أن الانتشار الجماهيري أكثر عدالة في الحكم، لكني أستطيع التأكيد مطمئناً وواثقاً أن أهم الأعمال في تاريخ الرواية، على مستوى الغرب والشرق، لم تقترب منها تلك الجماهير المبجلة. المشكلة بالنسبة إلي سعينا المحموم إلى تحديد الأفضل، الأول، الأحسن، في مجال الكتابة، ونحاول قدر استطاعتنا إيجاد معيار يضمن لنا أننا عرفنا... لماذا؟ هذا فعل عبثي تماماً، خصوصاً في غياب عملية نقدية. ما سبب تلك الرغبة الحارقة في الإقصاء والاستبعاد؟ هل تريد مني القول بأن ذلك العمل الذي وزع أكثر من عشر طبعات بآلاف النسخ هو الأفضل؟ لا ليس كذلك، أو أن العمل الآخر الذي حصل على جائزة هو الأحسن؟ لا أيضاً... نحن لا نقرأ الأوسع انتشاراً ولا الحاصل على جوائز. نحن نقرأ ما نهواه، وما نشعر أنه يلهمنا. ينبغي أن تكون لدينا هذه الجرأة في القراءة والديمقراطية في الاختيار، لا معنى آخر للفن غير هذا.

أنت ابن مخلص لجيل التسعينيات. كيف تقرأ الجيل اللاحق أدبياً؟

لن أكون منصفاً إن قدمت قراءة لهذا الجيل. لا أدعي أن لديَّ معرفة كافية كي أقرر حكماً نقدياً، لكني أتابع أعمال كثيرين، ويتميز بعضها بجرأة فنية كبيرة، ورغبة في تقديم جديد.