تريد واشنطن أن تبقي المصالح متوازنة مع إيران والسعودية ودول الخليج المتحالفة معها، وتريد أن تُبقي اليمن خاضعاً للتجاذب؛ وهو الأمر الذي سيسهل لها التعامل مع «القاعدة»، وتأمين الملاحة، والضغط على الخليجيين، والتفاهم مع الإيرانيين، وبيع السلاح، والإمساك بخيوط الأزمة.

Ad

لا يمكننا تحليل المسار الذي تمضي فيه عملية "عاصفة الحزم"، التي تم تغيير اسمها إلى "إعادة الأمل"، من دون أن نفهم الموقف الأميركي حيال ذلك الصراع، ومن دون أن نحاول استنباط أهداف واشنطن من تلك العملية وتفاعلاتها.

في 21 سبتمبر 2014، أحكم "الحوثيون" سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، بدعم مؤثر من قوات نظامية وغير نظامية موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبإسناد سياسي، ومالي، وإعلامي، ولوجيستي ضخم من إيران.

وفي 20 يناير 2015، أعلن زعيم حركة "أنصار الله" (الحوثية) خطة سياسية من شأنها تكريس السيطرة الحوثية، بمعاونة صالح، على اليمن، بشكل يجعل من هذا البلد مرتكزاً جديداً للنفوذ الإيراني في المنطقة، ويهدد المصالح الخليجية بشكل مؤثر.

في تلك الأثناء، لم تتخذ واشنطن مواقف حادة وصريحة، والأرجح أنها كانت تفضل تجنب تلك المواقف حتى لا تعرقل مسار محادثاتها مع إيران، سواء كانت تلك المحادثات تجري بشكل "ثنائي سري"، كما عرفنا لاحقاً، أو كانت تجري في إطار مفاوضات طهران مع مجموعة «1+5».

ومع تزايد مساحات السيطرة "الحوثية" على مفاصل الدولة والمجتمع في اليمن، ومع بروز التهديدات التي طالت السعودية وحلفاء واشنطن في الخليج العربي، بدأت الانتقادات الأميركية للتغول "الحوثي" في الظهور.

طالب الرئيس هادي الخليجيين والمجتمعين العربي والدولي بالتدخل، استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، والمبادرة الخليجية لتجاوز الأزمة في اليمن، وهو الأمر الذي تم تكريسه بقراري مجلس الأمن 2201 و2216، كما تمت تغطيته سياسياً على الصعيد الدولي بدعم واضح من الولايات المتحدة.

كانت واشنطن على رأس الداعمين والمؤيدين لتدخل عسكري وسياسي واسع في اليمن في أعقاب ذلك الطلب، وفي 26 مارس 2015، أطلقت السعودية عملية "عاصفة الحزم"، بعد تشكيلها تحالفاً عريضاً ضم تسع دول أخرى.

استطاعت السعودية أن تؤّمن مساندة واضحة على الصعيدين المحلي والإقليمي لقرارها بشن "العاصفة" على المستويات السياسية واللوجستية والإعلامية.

وعلى الصعيد الدولي، تكفل الدعم الأميركي، والمساندة الغربية عموماً، بتأمين قدر كافٍ من المساندة، خصوصاً في ظل "استهداف إيران" في الساحات الغربية، والرغبة في الضغط عليها للتأثير في سلوكها حيال ملفها النووي.

بعد أربعة أسابيع من القصف المركز، وصل عدد الضحايا إلى نحو ألف قتيل، وآلاف الجرحى، فضلاً عن تدمير بعض المنشآت الحيوية ومرافق الدولة المتداعية في الأساس، بخسائر قدرتها تقارير محلية بنحو مليار دولار.

وبدأت "الشكوك" تظهر في الداخل السعودي والعربي إزاء جدوى العملية وطبيعة الخسائر المترتبة عليها.

لقد تحدث الأتراك، والباكستانيون، والمصريون عن "حل سياسي"، كما دعت فاعليات أممية إلى تبني مثل ذلك الحل، ورأت فاعليات أخرى أنه "لا يوجد حل سواه".

وفي غضون ذلك التراجع الواضح في دعم الحل العسكري، صدر قرار مفاجئ وصادم في آن واحد، إذ أعلنت السعودية من جانب واحد وقف عملية "عاصفة الحزم"، في 21 أبريل 2015، بعد 27 يوماً من القصف، مشيرة إلى أنها ستبدأ، مع حلفائها، في تنفيذ خطة جديدة تسمى "إعادة الأمل"، ستكون بمنزلة "محاولة لإيجاد حل سياسي ليمن تعددي، يحفظ الشرعية، والوحدة، وينهي التمرد، ويعيد إعمار البلاد".

لم توقف السعودية القصف بطبيعة الحال، إذ ردت على محاولات حوثية لتغيير الأوضاع على الأرض بطلعات جديدة، كما اشتبكت قواتها مع آليات حوثية على الحدود المشتركة.

ولم يمض وقت طويل، حتى تم الإعلان، في الأسبوع الماضي، عن التغيرات الحادة والمفاجئة في سلم الحكم السعودي؛ وهي التغيرات التي بدا أنها كرست سلطة وصلاحيات المسؤولين الراغبين في المضي قدماً ضمن أهداف "عاصفة الحزم" المبدئية، بما تتضمنه من مواصلة استخدام الآلة العسكرية.

يحلو لكثير من المحللين اعتبار أن التغيرات الأخيرة في ولاية العهد وولاية ولاية العهد وبعض الوزارات المهمة، ومنها وزارة الخارجية على سبيل المثال، إنما تصب في تعزيز "العلاقات الأميركية- السعودية"، وتأتي برجال حريصين على صيانة تلك العلاقات وتنميتها.

من زاوية واشنطن سيمكن فهم أنها تريد تفعيل ما يمكن وصفه بـ"سياسة إبقاء الصراع"، و"الحفاظ على توازن أطرافه"، وهي تطوير لسياسة "الاحتواء المزدوج" التي سبق أن نفذتها حيال العراق وإيران.

سيتضمن ذلك حرصاً أميركياً على تحقيق "التوازن" في اليمن، بين النفوذ الإيراني من جهة، والسعودي- الخليجي من جهة أخرى، وسيشمل ذلك، تقديم الدعم للتحالف الذي تقوده السعودية، وضمان حماية الملاحة في المياه الإقليمية لليمن والمياه الدولية في المنطقة، ومنع نشوب حرب واسعة صريحة بين الجانبين، وتسهيل سبل التعامل مع "القاعدة"، وإيجاد وسائل للتفاهم مع إيران، بما يخدم الاتفاق النووي بينها وبين "5+1".

لقد منحت واشنطن دعماً سياسياً ولوجيستياً وعسكرياً واضحاً لعملية "عاصفة الحزم" التي باتت تُسمى بـ"إعادة الأمل"، لكن هذا الدعم الواضح يجب ألا يحرف فهمنا لأهدافها الأصلية.

لم تكن واشنطن تريد أن يتم حسم حرب الخليج الأولى التي استمرت ثماني سنوات دامية لمصلحة أحد الطرفين حسماً مبرماً، بحيث يقضي انتصاره في تلك المعركة الطويلة الصعبة بأن يصبح شريكاً استراتيجياً في صياغة سياسات المنطقة التي تمتلك دولها أكبر الاحتياطات من النفط، وتشرف على أهم المضايق التي تمر بها ناقلاته.

الأمر يتكرر الآن، إذ تريد واشنطن أن تبقي المصالح متوازنة مع إيران والسعودية ودول الخليج المتحالفة معها، وتريد أن تُبقي اليمن خاضعاً للتجاذب؛ وهو الأمر الذي سيسهل لها التعامل مع "القاعدة"، وتأمين الملاحة، والضغط على الخليجيين، والتفاهم مع الإيرانيين، وبيع السلاح، والإمساك بخيوط الأزمة.

لا يريد الأميركيون، بحسب ذلك التحليل، منتصراً بالكامل أو مهزوماً بالكامل في هذا الصراع... بقدر ما يريدون إدامته وضبطه وتوازنه، فهم قد يكونون حلفاء في "عاصفة الحزم"، لكنهم لا يخلصون في دعم من يتحالفون معه.

* كاتب مصري