برعاية وزير الثقافة في لبنان روني عريجي، تفتتح غاليري همازكايين -لوسي توتنجيان في بيروت معرضاً للرسام التشكيلي اللبناني جيرار أفيديسيان بعنوان {ظلال الأجداد} (10 سبتمبر -30 منه)، يتضمن مجموعة من لوحات الأكليريك، التي تتميز بتعدد التقنيات من بينها الكولاج وتنوع المواد المستعملة، لا سيما القماش والزركشة والمجوهرات، وهي منتقاة بعناية لتعيد رسم أجواء ماضٍ سطر النبل والأمجاد بأبهى مظاهرهما.
عاشق للحضارات الشرقية، والحضارات الأوروبية، ابتكر جيرار أفيديسيان خطاً تشكيلياً خاصاً به قائماً على تراكمات ثقافية اكتسبها على مر السنوات ووظفها في خدمة شخصيات تمتد جذورها في عمق تاريخ طويل من الحروب والمجازر التي عانى منها الشعب الأرمني، ما زالت الأجيال تتناقلها لغاية اليوم.ولأنه ابن هذه الحضارة المغمسة بالدم، المتشبثة بالحياة إلى درجة أزهرت جراحها أدباً ولوحات وإبداعاً أذهل العالم، فلا عجب إذاً أن تكون عناصر لوحاته جواهر وأقمشة فخمة تليق بهذا التاريخ العريق وبالأجداد الذين رفضوا الركوع ودافعوا عن أرضهم حتى الاستشهاد.حكايات وبطولاتشخصيات أفيديسيان تغلفها ظلال الأجداد ونساؤه ملامحها أرمنية وشرقية، تختصر حكايات وحكايات عن الشجاعة والإقدام، عن عادات وتقاليد جميلة ما زالت محفوظة في القلب والوجدان.تنبض لوحات أفيديسيان بألوان تنم عن الفرح استوحاها من خياله وهرب من خلالها من مرارة الواقع، فسبح في طبيعة أرمينيا موطن أجداده، وأضفى على أزياء شخصياته، لمسات من أكسسوارات ونقوش وزخارف، منحتها سحراً خاصاً.كاتب ومخرج مسرحي أولع جيرار أفيديسيان بتاريخ الشعب الأرمني الذي ينتمي إليه، فراح يبحث عن صور فوتوغرافية حول كفاح هذا الشعب الأبي الذي اقتلع زوراً من أرضه، فجمع آلاف الصور التي تعود أقدمها إلى عام 1880، فتأثر بها وأكسبته مخزوناً بصرياً ربما كان الحافز له كي يمسك الريشة وينطلق في مغامرة الرسم.في عام 2005، شارك في صالون الخريف الذي ينظمه متحف سرسق في بيروت، بلوحة «الجندي الصغير من سميرنا» التي نالت الاستحسان، وحفزته على إفراد مساحة واسعة للرسم في حياته، فكان معرضه الأول في الكويت وليس في بيروت.بدأ أفيديسيان مسيرته الفنية في {مسرح بيروت} في السبعينيات، وانطلق من ثم كاتباً ومخرجاً وممثلاً سواء في التلفزيون أو على خشبة المسرح، فوقع كمخرج مسرحي أعمالا مسرحية عدة من بينها: {أخوت لبنان} مع نبيه أبو الحسن، {سفرة الأحلام} مع مادونا، {صخرة طانيوس} مع رفعت طربيه، {جبران خليل جبران} وغيرها...حاز أفيديسيان دكتوراه في الإخراج المسرحي في معاهد الاتحاد السوفياتي (1969)، وعمل في مجال الإعلانات بين لبنان وأوروبا والولايات المتحدة لغاية 2009.بعد مشاركته الأولى في معرض الخريف في متحف سرسق في بيروت في 2005، أقام معرضاً فردياً له في عنوان {فانتازيات شرقيّة} (2010)، تلته سلسلة من المعارض الفردية من بينها {أحلام شرقية (2011) في صيفي فيلاج في بيروت، و}تحية إلى الأجداد} في غاليري همازكايين- لوسي توتنجيان (2012). لوحاته موجودة ضمن مجموعات خاصة في بيروت، الكويت، أثينا، لندن ودمشق.تقاليد راسخةِأعماله بمعظمها تعبق بماضيه الأرمني وبتأثره بالشرق الساحر والجامح بالمغريات، أرادها تحية وفاء إلى الأجداد الذين يسكنون الذاكرة الجماعية، بوجوههم الخارجة من الماضي، هادئة وصارمة وأحياناً مؤرقة ومؤلمة على دروب الهجرة الجماعية، وكأنه يقول: «نحن كل هذه الوجوه مجتمعة»... وكللها بهالة من الألوان الغنية والمذهبة التي تشكل وحدة مع الشرق الساحر لا تتجزأ... تنقله إلى عالم الحلم العابق بالحب فرسم في حناياه عبارة: «لم تغيبوا أنتم معنا».قد تبدو الشخصيات في لوحات أفيديسيان فقيرة أو بسيطة، إلا أنه أضفى عليها خصوصية من خلال الأقمشة والنقوش التي ترسم صورة واقعية عن هذه الشخصيات، مع الإشارة إلى أن معظمها مستمد من تاريخ أرمينيا لا سيما المحاربين من الرجال والنساء. وعرف الفنان كيف يغير طابع هذه الشخصيات الزاخر بالحزن ويحوله بلمساته الفنية وألوانه إلى كتلة من الفرح، تزيدها الزخرفات والمنمنمات التي تعود إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر تألقاً، فتبدو شخصياته غنية ترتدي أفخم الثياب من دون أن يخرج عن المظهر الأرمني التقليدي المتمثل بالشروال والطربوش والتطريز...
توابل - ثقافات
جيرار أفيديسيان في «ظلال الأجداد»... «أنتم معنا ولم تغيبوا»
07-09-2014