بعد انقضاء 4 أشهر على الانهيار العسكري المدوي في العراق، يقف النافذون في البلاد أمام مشاكل جديدة لم تكن بهذا المستوى من الجدية طوال 11 عاماً مضت من عمر النظام الجديد.

Ad

وأكثر تلك التساؤلات قسوة، تلك المتعلقة بالمناطق المختلطة قومياً وطائفياً، والتي سقطت بيد تنظيم «داعش»، ولاسيما شمال تكريت وجنوب بغداد. إذ تمكنت قوات الحكومة ومساندوها، على سبيل المثال، من طرد «داعش» من بلدة سليمان بك الواقعة بين كركوك وتكريت، وتقطنها أغلبية عربية سُنية، لكن الأهالي لم يعودوا إليها رغم أن العمليات المسلحة توقفت هناك منذ شهر.

في البداية قال الجيش إن المنازل مفخخة، وينبغي تفكيك العبوات الناسفة وتنظيف البلدة كي يعود المدنيون إلى بيوتهم، ثم عاد المسؤولون ليقولوا إن تطهير المنطقة من المتفجرات بحاجة إلى 6 أشهر. وحين استغرب الأهالي ظهر أكثر من مسؤول وتحدث، صراحةً، بأن السكان متهمون بالتعاون مع «داعش»، ولذلك تخشى الحكومة أن تؤدي عودتهم للبلدة، إلى مساعدة المسلحين المتشددين على الظهور ثانية، وتهديد بلدات كردية وشيعية مجاورة في طوزخرماتو وآمرلي. والطريف أن وزارة حقوق الإنسان عبرت عن الموضوع بشكل لافت، قائلة إن «عودة الأهالي السُّنة بحاجة إلى مصالحة حقيقية على مستوى البلاد»، وهو ما يمثل واحداً من أصعب الملفات العراقية.

ويحاط وضع القرى التي تحررها البيشمركة الكردية من قبضة «داعش»، ببعض التكتم. لكن المطلعين يقولون إن الأمر يتكرر هناك، ويهدد بتغييرٍ في ديموغرافية كثير من المناطق، قد يفرّخ صراعات جديدة ما لم يُعالَج، غير أن المفصل الحساس لا يتعلق ببضع قرى شمالية، بل يتكرس في ما يعرف بـ»حزام بغداد السني»، حيث نجحت قوات المتطوعين الشيعة بإسناد الجيش، في طرد «داعش» من منطقة جرف الصخر، التي تمثل عقدة مواصلات بين جنوب بغداد وبابل وكربلاء والنجف والأنبار، وتمثل أكثر لقاء ديموغرافي بين الشيعة والسُّنة حساسية وخطورة.

وبعد طرد «داعش» من المنطقة، كان معظم الأهالي، ومعظمهم سنة، قد تركوا منازلهم هرباً من المعارك المستمرة منذ 4 أشهر، بينما استطاعت نحو 100 عائلة متبقية في المنطقة، أن تخرج رافعة الرايات البيضاء، وتغادر إلى بغداد. وفي حين أعلنت القوات الأمنية أنها بحاجة إلى أشهر لتنظيف عشرات القرى من العبوات الناسفة، فإن كثيراً من شيوخ القبائل يخشون أن يكون التفخيخ عذراً صريحاً لإجلاء السُّنة من جنوب بغداد كله، وهو أمر يلقي بالغموض حول مستقبل التعايش في أكثر بقاع العراق خصباً وأهمية تجارية، لوقوعها على طرق التجارة الرئيسية بين شمال البلاد وجنوبها، فضلاً عن كونها طريقاً نحو الحدود الأردنية والسعودية.

ويتوقع نواب سُنة أن تكون هذه المخاوف على طاولة كل الاتصالات المهمة التي يجريها رئيس الحكومة حيدر العبادي مع العشائر السنية، لإقناعها بالانخراط بشكل فعال في مقاتلة «داعش». ويريد هؤلاء ضمانات بعدم حصول تغيير ديموغرافي طائفي في المناطق المختلطة التي يتعرض فيها «داعش» للهزيمة، وبعدم سماح الحكومة بإجلاء السُّنة تحت مبرر الخوف مما يعرف بـ»الحواضن الاجتماعية». ويقول هؤلاء إن وجود متعاونين سنة مع «داعش» لا يعني أن البيئة المحلية متواطئة ضد الدولة، لأن أبناء تلك العشائر هم الأكثر تضرراً من سياسات التنظيم، الذي أعدم مئات من السُّنة بتهمة التعاون مع الحكومة ضد مشروع «الخلافة الإسلامية».

ويصرح أكثر من مسؤول سني بأنه لابد من لجم هذا الارتياب العميق، لأن الشك في ولاء السُّنة تركهم بين مطرقة «داعش» وسندان الإجراءات الحكومية القاسية، وصارت العشائر كياناً أعزل لا يمتلك التسليح الكافي لحماية نفسه، ما سهل حصول مذابح متواصلة في الأنبار، كان آخرها إعدامات مستمرة لأبناء قبيلة البونمر الموالية للحكومة، والتي لم تتلق دعماً كافياً، بينما كشفت تجربة المتطوعين الشيعة ضمن قوات «الحشد الشعبي»، إمكانية تنظيم وضع 60 ألف عنصر جرى تسليحهم بسرعة لافتة لأنهم من الشيعة، كما أن البيشمركة الكردية تتلقى دعماً دولياً متواصلاً، ويظل سنة العراق عالقين في وضع الانتظار.