مرة أخرى... أين العرب؟!
رغم انشغالات العرب الكثيرة والخطيرة، فإنه لا عذر إطلاقاً في أن تتمزق سورية على هذا النحو، بينما هم يتخذون موقف المتفرج، ولا حول ولا قوة، وكل هذا وهم يعرفون ويدركون أن تشظي هذا البلد المحوري لن يؤثر في دول الجوار فقط، وإنما في المنطقة العربية كلها. فتأثير هذا الانهيار سيؤدي - إن لم يتم التصدي له وبسرعة وقبل فوات الأوان - إلى حالة كحالة تلاحق سقوط حجارة "الدومينو" المعروفة، التي تبدأ بالحجر الأول وتنتهي بالأخير، في تتابع متتال يستمر حتى النهاية.كان العرب، القريبون والبعيدون، قد قصروا تقصيراً فادحاً عندما نأوا بأنفسهم عن العراق بعد احتلاله عام 2003، فكانت إيران هي المستفيد من ذلك النأي بمسارعتها لملء الفراغ تدريجياً، إلى أن أصبحت تحتل هذا البلد العربي احتلالاً كاملاً، وإلى أن غدا إخراجها منه يحتاج إلى جهد سنوات طويلة، ويحتاج إلى موقف عربي موحد، لأن المستهدف ليس الشعب العراقي فقط وإنما الأمة العربية كلها.
ما كان من الممكن أن تتمدد إيران كل هذا التمدد الاحتلالي، لا في سورية ولا في اليمن ولا في لبنان، لو لم يسكت العرب عن تمددها في العراق واحتلاله على نحو ما هو عليه الوضع الآن، فهذا السكوت اعتبره الإيرانيون عجزاً، فـ"تطاولوا" أكثر من اللزوم، إلى حد أنهم باتوا يتحدثون عن تبعية أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء للعاصمة الإيرانية طهران. لقد سمع العرب كلهم، أمس الأول، نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد وهو يتغنى باعتماد نظام بشار الأسد للاستمرار في ما يعتبره صموداً على الدعم الإيراني والقوات الإيرانية، والمؤكد أن تصريحات الرئيس حسن روحاني، التي قال فيها إن إيران ستبقى تدعم النظام السوري حتى النهاية، لاتزال حية، ولاتزال تتردد في كل الأرجاء العربية، وحقيقة إن هذا الدعم الذي تحدثت طهران عنه أكثر من مرة هو دعم للمصالح الحيوية الإيرانية في هذا البلد، وفي المنطقة العربية وليس لسورية ولا للنظام السوري.إن سورية أصبحت في طريقها إلى الانقسام والتشظي، فبشار الأسد، خضوعاً لما تريده إيران ويصر عليه المنتفعون المحيطون به، متمسك بكرسي الحكم حتى النهاية، بينما الشعب السوري الذي فقد مئات الألوف من أبنائه، والذي أصبحت كل مدنه وقراه وبلداته مدمرة، لا يمكن أن يقبل بأي مساومة وأي حل يبقيان على هذا النظام، ما يعني أن كل هذا الشد في اتجاهين متعاكسين سيؤدي إلى التقسيم، وإلى ظهور الدويلة الطائفية التي يريدها الإيرانيون مكملة لدولة حزب الله، وتمتد من دمشق إلى اللاذقية، وتشمل كل لون حسن نصرالله الطائفي في لبنان.وهكذا، فإنه إن لم يكن هناك موقف عربي جدي ضاغط على إيران بإشغالها بحروب داخلية كالحروب التي أشغلت العرب بها في أصعب وأخطر مرحلة في تاريخهم المعاصر، فإننا بالتأكيد سنصحو ذات يوم قريب على ظهور أكثر من دويلة سورية، وسنجد منطقتنا في النهاية وقد تحولت إلى لوحة فسيفسائية طائفية ومذهبية، وهذا هو ما تريده إسرائيل وما ظلت تسعى إليه منذ قيامها حتى الآن.