تناست روسيا أنها استخدمت حق النقض "الفيتو"، ومعها الصين للأسف، مرات عدة لتعطيل كل مشاريع القرارات التي طُرحت على مجلس الأمن والمتعلقة بالأزمة السورية المستفحلة المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام، وبادرت إلى هجوم بكلمات قاسية جداً ضد الذين عطلوا مشروع قرارها الأخير الذي تقدمت به إلى هذه الهيئة الدولية تجاه الأوضاع في اليمن تحت عنوان: ضرورة أن تكون هناك "هدنات" متلاحقة لدوافع إنسانية.

Ad

إن المفترض أن تتذكر روسيا ذلك المثل القائل: "كما تدين تُدان"، وأن تدرك أنه سيكون هناك من يقف لها بالمرصاد بالنسبة لمشروع القرار الأخير المتعلق باليمن، والذي اعترضته الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، فهي، أي روسيا، دأبت على تعطيل هذه الهيئة الدولية لأكثر من أربعة أعوام بالنسبة للأزمة السورية، وكل هذا وهي تعرف أنها بما تفعله تدعم نظام بشار الأسد وتشجعه على الاستمرار في ذبح شعبه والاستمرار في تدمير سورية.

ربما فوجئت روسيا بهذا الموقف الأميركي وبموقف بعض الدول العربية، لأنها كانت تظن أن مشروعها المتعلق بـ "هدنٍ" وبوقفٍ مؤقت لإطلاق النار في اليمن لـ"دوافع إنسانية"! سيمر مرور الكرام بسبب امتناعها عن التصويت في مجلس الأمن، مما وفَّر 14 صوتاً لإنجاح القرار الذي تقدمت به مجموعة الدول الخليجية، وسانده معظم العرب والولايات المتحدة والدول الأوروبية المؤثرة والفاعلة، لكن يبدو أن موسكو، المعروفة بشطارتها ومناوراتها وألاعيبها الدولية، لم تدقق في الأمور جيداً، ولم تدرك أن للدول حسابات غير حساباتها هذه المرة.

إنَّ رفض المشروع الروسي المتعلق باليمن ليس سببه مجرد تسديد حسابات سابقة، وليس "النكايات" أيضاً، فتمرير هذا المشروع، وهذا تعرفه موسكو معرفة أكيدة، سيعطي تحالف الحوثيين وعلي عبدالله فرصة لالتقاط أنفاسه وإعادة النظر في قواعد الاشتباك الحالية، وسيعطي أيضاً وبالتأكيد لإيران فرصاً ذهبية للمزيد من التدخل في شؤون اليمن الداخلية ليس بالدعم السياسي فقط وإنما، وهذا هو الأهم، بالأسلحة والذخائر والخبراء العسكريين.., وأيضاً بالمقاتلين من قوات "الباسيج" وحراس الثورة.

كان على روسيا أن تحافظ على "معروفها" السابق، وأن تتجنب السعي لاختبار "إرادة" الآخرين، بل أن تحاول، انطلاقاً من امتناعها عن التصويت في جلسة مجلس الأمن قبل الأخيرة الذي اعتبر تقاربياً وإيجابياً، إعادة النظر في سياساتها ومواقفها إزاء كل قضايا هذه المنطقة الملتهبة وفي مقدمتها الأزمة السورية، خاصة أن هناك الآن "حلحلة" معقولة بالنسبة للأزمة "الأوكرانية"، وأن العرب يحاولون تجنب ما يسيء إلى علاقاتهم مع هذه الدولة الكبرى المحورية التي من المفترض أن تتخلص من إرْث صراع المعسكرات وإرث الاتحاد السوفياتي الثقيل، وتقيم علاقاتها مع دول هذه المنطقة على الأقل على أساس التفاهم والمصالح المشتركة.

الآن باتت الأزمة السورية تقترب من نهاياتها، وهذا يتطلب أن تتخلى روسيا عن كل مناكفاتها واستفزازاتها السابقة، فمصالحها مع العرب تتطلب ألا تبقى تعطل مشاريع الحلول المعقولة المطروحة، خاصة التي كانت قد وافقت عليها كـ"جنيف 1"، فحكاية أن الأولوية يجب أن تكون لمواجهة الإرهاب غدت مكشوفة، ولم يعد يصدقها حتى أصحاب أنصاف العقول، والمفترض أن التطورات العسكرية الأخيرة في الميدان قد أقنعت موسكو قبل غيرها بأنه لا حلَّ إلا حل "المرحلة الانتقالية"، وعلى أساس ما تم الاتفاق عليه في هذه الـ"جنيف" الأولى.