أوقفوا بعثات البنات!
شيء مؤسف ومحزن ما يحدث لمجتمعنا، لا سيما لعناصره الفاعلة المتمثلة في القوى العاملة، التي كان آخرها الاقتراحات النيابية المقدمة بالسماح للمرأة الكويتية بالتقاعد في سن الأربعين، والذي يترجم عملياً بإخلال رهيب في القوى العاملة الوطنية، خصوصاً أن النسبة الكبرى من الملتحقين بالجامعات والمعاهد التطبيقية في الكويت هم من الإناث، كما أن نسبة معتبرة من المبتعثين للدراسة في الخارج هي أيضا من البنات.مثل تلك الاقتراحات تأتي لتزيد الطين بلة عقب قرار البرلمان السابق بتخفيض سن تقاعد المرأة، في وقت تعاني فيه التركيبة السكانية خللاً كبيراً يمثل خطراً على الأمن الوطني الكويتي، في ما تحاول الدولة أن تعدل تلك التركيبة المختلة عبر إحلال العمالة الوطنية مكان الوافدة وزيادة مشاركة المواطنين في سوق العمل، وفي هذه الأثناء تعمل جهة رسمية أخرى عبر تشريع متهور لإخراج النسبة الكبرى من العمالة الوطنية في عز سن الخبرة والعطاء من سوق العمل!
لطالما كنت من أشد المناصرين لزيادة المقاعد المخصصة للإناث في البعثات الخارجية، وكتبت عدة مقالات في هذا الجانب، بل قدمت مقترحات مكتوبة لنواب لتقديمها إلى الحكومة عبر البرلمان، لكن الأمر أصبح الآن عقب تعديلات تشريعات عمل المرأة الكويتية والاقتراحات البرلمانية بشأن تقاعد المرأة المبكر هدراً للمال العام، فإذا كان معدل كلفة دراسة الطب لفتاة كويتية واحدة مع سنوات «البورد» والخبرة تصل إلى ما يزيد على مليون دينار، ودراسة الهندسة تقدر بـ200 ألف دينار وعندما تصل تلك الخريجات الى قمة الخبرة والعطاء في سن الأربعين يمنحها القانون حق التقاعد، فما الفائدة المرجوة من ذلك سوى عملية عبثية، والأجدى أن نكتفي بخبرات وثقافة الثانوية العامة للبنت الكويتية لتمكنها من المكوث في المنزل! أما الحديث عن أن المرأة الكويتية تتقاعد مبكراً للتفرغ لبيتها، فهو كلام إنشائي غير صحيح والدليل الإقبال الكثيف والطلب على العمالة المنزلية التي جعلت رسوم جلبها عالية جداً ومكلفة، ورغم ذلك فإن الطلب يتزايد عليها، ويا ليت أي مركز دراسات اجتماعي يوضح لنا كم امرأة كويتية متقاعدة تخلت عن الخدم في منزلها ومربيات الأطفال؟ بالإضافة إلى تزايد الأمراض الناتجة عن عدم الحركة لدى النساء الكويتيات المتقاعدات مثل السمنة وأمراض القلب وغيرها.لاشك أن القرارات والتشريعات التي قادتها منذ سنوات القوى الدينية في الكويت لعزل المرأة عن مجتمعها والعمل على «الهجرة العكسية» لها من مواقع العمل إلى المنزل، والتي ساندها بعض المزايدين على الرغبات الشعبية، أدت الى إضعاف دور المرأة الكويتية في مجتمعها في السنوات الأخيرة رغم إنجازاتها في المجال السياسي، بل إنه جعل قطاعاً كبيراً من النساء ينخرط في العمل الأصولي الذي نشاهد نتائجه حاليا من شباب متطرف بالتأكيد كان لتربية الأم وتنشئته له دور فاعل في تكوين شخصيته، خصوصاً إذا فُرغت المرأة من مجال عطائها في مجال عملها وتخصصها في سن مبكرة لتكون لقمة سائغة لمجالس «الواعظات» المسيسة ورحلات العمرة التي تنظمها قوى التدين السياسي لتجنيد الأتباع والعناصر العاملة!إن موافقة مجلس الأمة على الاقتراحات المقدمة من النواب بالسماح للمرأة الكويتية بالتقاعد في سن الأربعين سيكون لها أثر مدمر يستوجب التصدي له، بل على العكس من ذلك فإن المطلوب أن تراجع تشريعات تقاعد المرأة الكويتية لرفع السن بدلاً من خفضه، ولكن إذا فشل التصدي لذلك وأقر المقترح الخاص بخفض سن تقاعدها فإن المطلوب هو مراجعة نسب قبول الإناث في الجامعات لرفعها وكذلك في البعثات الخارجية والداخلية ِ لأن التعليم العالي للبنات سيكون بلا جدوى.