تراجع النفط... هل يصيب الدينار؟
• هبوط الأسعار يؤثر في الفوائض ويفتح باب السحب من الاحتياطي• تراجع المشاريع وضغط على التوظيف ومراجعة أكبر للدعم
هوت أسعار النفط العالمية في الأشهر القليلة الماضية، ما أدى إلى انخفاض سعر برميل النفط الكويتي بنحو 26 في المئة من قيمته خلال الفترة من منتصف يونيو حتى إقفال أمس الأول الخميس، حيث بلغ 80.01 دولاراً. فماذا يعني هذا التراجع بالنسبة إلى الميزانية والإيرادات؟ وهل يصيب الدينار؟ ولتوضيح ذلك يمكن القول إن سعر البرميل الكويتي حالياً في أقرب مستوى من سعر التعادل الرسمي في الميزانية، الذي يبلغ 75 دولاراً للبرميل منذ عام 2008، وهو أمر يشير، بدرجة عالية، إلى الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها الميزانية في دولة تعتمد على الإيرادات النفطية بنسبة تصل إلى 93 في المئة من إجمالي إيراداتها.وأول المتأثرين بتراجع أسعار النفط هو الإيرادات العامة للدولة، وبالتالي الفوائض المتوقعة من السنة المالية 2014 -2015، إذ إن بيع النفط بالأسعار الحالية سيحقق فوائض هامشية، وكلما انخفضت الأسعار كانت احتمالات تحقيق عجز مالي لبعض شهور السنة - لا كلها - واردة، وهنا يكون الحديث عن أسعارٍ دون الـ75 دولاراً للبرميل.وعندما تتراجع الفوائض لتتحول إلى عجز يبرز البديل لتغطيته، وهو ما يعيد إلى الأذهان إجراءات الحكومة في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بالسحب من الاحتياطي العام لتغطية النفقات لميزانية تعاظَم حجمها بنحو 7.2 مرات، ما بين عامي 2000 و2014، حيث ارتفعت الميزانية من 3.188 مليارات دينار في عام 2000 إلى 23.2 ملياراً في 2014، مدعومة بنمو الرواتب إلى 10.5 مليارات دينار، والدعم إلى 5 مليارات، لذلك قد لا يكون السحب من الاحتياطي بديلاً وحيداً، خصوصاً على المديين المتوسط والطويل، فتلجأ الدولة إلى خفض قيمة الدينار مقابل الدولار بما يعادل مثلاً 25 في المئة - بما يصاحبه من ضغوط تضخمية - بهدف تدعيم الإيرادات النفطية فالعامة. كذلك تلجأ الى خفض المصروفات، وهو خيار مفيد في مواجهة التراجع القوي لأسعار النفط، لكنه ليس حلاً نهائياً، لأن الأصل هو تعظيم الإيرادات غير النفطية لتحقيق استدامة أكثر للاقتصاد والميزانية.كما أن التراجع في الإيرادات ينعكس، في الغالب، سلباً على أبواب الإنفاق الاستثماري في الميزانية. وهي أبواب أشبه بـ»طوفة هبيطة» حتى في سنوات الفوائض المعتبرة. فحسب الميزانية الحالية تم تقليص الباب الثالث (المعدات والنقل) 17.5 في المئة، والباب الرابع (المشروعات) 9.9 في المئة، مقابل زيادة الإنفاق في الأبواب ذات الطابع الاستهلاكي، كالأول (الرواتب) 7.5 في المئة، والثاني (الدعم) 1.1 في المئة، والخامس (المدفوعات التحويلية) 21.1 في المئة، وبالتالي فإن الانعكاس المباشر لأثر الانخفاض الطويل في أسعار النفط سيكون على المشاريع وخدماتها، وهو ما يناقض، على الأقل، توجهات خطة التنمية.كذلك سيكون الضغط أعلى على سوق العمل الذي يحتاج سنوياً إلى 20 ألف وظيفة جديدة، سوادُها الأعظم في القطاع الحكومي، فضلاً عن المزيد من الإجراءات الخاصة بخفض أو إعادة توجيه الدعم الحكومي على السلع والخدمات وغيرها من الإجراءات الخاصة بتغطية نفقات عالية لدولة تعتمد على سلعة وحيدة لا تملك التحكم تماماً في أسعارها، إذ إنه كلما انخفضت أسعار النفط كانت خيارات الإصلاح أصعب لدولة تأخرت أكثر من 20 عاماً في اتخاذها رغم الفرص المتكررة والسهلة.