وكأن هذه المنطقة "داشرة"، فاللاعب الأول هو إيران، بينما العرب يتفرجون وينتظرون لحظة أن يقرع قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني أبواب غرف نومهم، وكل هذا هناك ثلاثة مندوبين دوليين يأتون ويذهبون ويعدون التقارير، التي يسمونها "إحاطات" كأنهم يبعثون إلى مجلس الأمن الدولي بتحقيقات متلفزة عن القمر، وكأنهم يكتشفون قارات جديدة عندما يتحدثون عن الأزمة السورية، والأزمة الليبية، والأزمة اليمنية، وكأنهم أولئك "المستشرقون" الذين كانوا جاءوا إلى بلادنا لاستطلاعها قبل انقضاض الدول الأوروبية على السلطنة العثمانية، وإطاحتها أرضاً بعد أمجاد وفتوحات تواصلت على مدى أربعة قرون متتالية.
لا يمكن فهم أي شيء بقي يقوله، ابن العمومة، جمال بنعمر إن في تقاريره المتلفزة، وإن في تصريحاته التي بإمكان أي يماني أن يفهمها ويفسِّرها كما يحب ويشتهي، ولا يمكن معرفة ما الذي يريده برناردينو ليون، الذي تحدث عن ليبيا أمام مجلس الأمن كأنه يتحدث عن بلاد "واق الواق"، وكأنه لم يقرأ عن هذا الشرق المعذب فعلاً إلا كتاب: "أعمدة الحكمة السبعة" لصاحبه الشهير "لورانس العرب"، الله يستر عليه حياً وميتاً، ثم يبقى أن هذا الوافد الجديد ستيفان ديمستورا، "الذي جاء ليكحلها لكنه عور عينها"، اعتقد أنه سيفعل في سورية ما لم يستطعه الأوائل، لكنه سقط في الامتحان منذ الخطوة الأولى، واتضح أنه منحازٌ إلى نظام مجرم وقاتل هو نظام بشار الأسد، حتى قبل أن يحزم حقائبه ويأتي إلى الشرق الأوسط.كان على ديمستورا لو أنه لم يكن منحازاً سلفاً ولا يفكر إلا بما جاء في بيت شعر للإمام الشافعي يقول فيه:إذا هَبَّت رياحُكَ فاغتنمهافإن الخافقات لها سكونأن يقرأ تقارير كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي عن الوضع السوري، الذي أصبح فيه مليون عقدة، وكل عقدة بحاجة إلى مليون حلال، إذا كان "يترفَّع" عن اللقاء وكان عليه أن يطوف بين "المضارب" العربية قبل أن يتقدم بهذه المبادرة البائسة التي لاشك في أنه جرى إعدادها في دوائر المخابرات السورية، وجرى إخراجها في السفارة الإيرانية في دمشق.أين العرب إذا كانت دول الغرب لم تعد معنية ولا مهتمة بالشأن السوري بقدر اهتمامها بـ"داعش" و"شارلي إيبدو"... وبالنفط والغاز طبعاً...؟ لماذا يُترك ديمستورا يلعب كل هذا اللعب بأكثر القضايا العربية التهاباً وخطورة؟ هل أنَّ هذه المبادرة البائسة، التي بالإمكان اعتبارها مؤامرة في وضح النهار بدون أن يرف لنا جفن، تمثل وجهة نظر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون؟ لماذا هذا الصمت العربي تجاه مبادرة وضعت عليها اللمسات الأخيرة في السفارة الإيرانية في دمشق بحضور جنرالات الحرس الثوري الإيراني وعلى رأسهم الجنرال قاسم سليماني؟!إن بعض هؤلاء المبعوثين وعلى رأسهم ستيفان ديمستورا قد جاءوا إلى هذه المنطقة، ليس لحل مشاكل عالقة، لم يستطع من سبقهم حلَّ عقدة من عقدها وتعقيداتها الكثيرة، إنما للبيع والشراء ولكتابة مذكراتهم عن هذا الشرق المسكين الذي تحول مبكراً إلى مذكرات "خيالية" لعشرات بل مئات المستشرقين... وهنا في النهاية: هل هي مصادفة يا ترى أن تتحرك قوات بشار الأسد، ومعها كل هذه الشراذم الطائفية الحاقدة، التي تم استيرادها من العراق، ومن إيران، ومن باكستان، ومن الهند، ومن أفغانستان، ومن لبنان، ومن اليمن، الذي لم يكن سعيداً إلا قبل انهيار سدِّ مأرب، في اتجاه حلب الشهباء بعد اجتماع السفارة الإيرانية المريب هذا الآنف الذكر وقبل ساعات من تقديم هذا الـ"ديمستورا" تقريره البائس إلى مجلس الأمن الدولي...؟
أخر كلام
دكاكين الأمم المتحدة!
20-02-2015