تقرير اقتصادي : انخفاض أسعار النفط يرفع مخاطر الإنفاق ويربك الميزانية
• خسر في 3 أشهر 13.7% ليبلغ 93.93 دولاراً للبرميل• الفوائض لـ 15 عاماً لم تستغل في معالجة الاختلالات في الإيرادات أو سوق العمل أو الاستثمار
إذا كان الحديث عن مخاطر العجز معروفاً، فإن التعهدات الحكومية بشأن إصلاح هيكل الاقتصاد والشكوى من محدوديته باتت مكررة ومملة في ظل تنامي الشكوى وقلة الإجراءات، وأحياناً في اتخاذ قرارات معاكسة للتوجه الحكومي كزيادة الدعم لمواد البناء مثلاً.شهد الشهر الحالي تراجعا لافتا في أسعار النفط العالمية، مما انعكس سلبا على سعر برميل النفط الكويتي الذي خسر 5.6% خلال الشهر علماً بأن التراجع ربع السنوي في آخر 3 أشهر بلغ 13.7%، ليغلق برميل النفط الكويتي على سعر 93.93 دولاراً للبرميل.وعانى سوق النفط العالمي خلال الفترة الماضية مجموعةَ ضغوط جعلت التراجع في سعر البرميل أمرا مستمرا، أبرزها وفرة المعروض من داخل منظمة أوبك وخارجها الى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا وآسيا، إضافة إلى تنامي المخزون الأميركي، وهي عوامل فنية واقتصادية طغت حتى على التوتر السياسي والأمني الذي تمثل في قصف قوات التحالف لتنظيم داعش، والذي في العادة يكون من عوامل رفع أسعار النفط لزيادة المخاطر. ولعل ارتباطنا في الكويت بملف أسعار النفط واهتمامنا به أكثر من دول الخليج الأخرى، لأننا نعتمد على إيرادات النفط بما يوازي 93% من إجمالي الإيرادات العامة، مما يجعلنا في حالة أكبر من الانكشاف عند أي تراجع في الأسعار أو تقلب في الأسواق.والحديث عن الخطر المالي الذي يهدد الكويت خلال السنوات القليلة القادمة والمخاطر من الدخول في دائرة العجز باتت معروفة للجميع، فلا يمكن تصور أن هذه الفوائض المالية الناتجة من أسعار النفط العالية ستكون مستدامة، بل هي وفرة استثنائية باتت تتآكل عاماً تلو الآخر بسبب تنامي المصروفات التي قفزت ما بين عامي 2000 و2014 من 4 مليارات دينار الى 23 مليار دينار بما يوازي 5.75 مرات، مما يعني أن السير على هذه الوتيرة غير مُجدٍ في ظل تقلب أسواق النفط وضعف بعض عوامله لدرجة أنه لم يعد يستجيب حتى لتوترات أمنية وعسكرية كتطورات قصف «داعش».وإذا كان الحديث عن مخاطر العجز معروفاً، فإن التعهدات الحكومية بشأن إصلاح هيكل الاقتصاد والشكوى من محدوديته باتت مكررة ومملة في ظل تنامي الشكوى وقلة الإجراءات وأحيانا في اتخاذ قرارات معاكسة للتوجه الحكومي كزيادة الدعم لمواد البناء مثلا رغم تحقيق الدولة لفوائض منذ 15 عاما متتالية، وصلت قيمتها المتراكمة إلى ما يناهز 340 مليار دولار، ورغم أن تلك الفوائض مثلت فرصة تاريخية للكويت للقيام بإصلاحات تشمل ملفات اقتصادية مهمة بعد سنوات من العجز في الميزانية، كانت السمة البارزة لفترة التسعينيات، فإن الفرصة لم تستغل جيدا. فلم تستغل الفوائض في معالجة الاختلالات الحقيقية للاقتصاد الكويتي، لا من حيث إصلاح سوق العمل عبر توفير مناخات وبيئات استثمارية مختلفة عن العمل الحكومي، ولا من ناحية تقليل هيمنة الدولة على الاقتصاد، ولا في طرح مشاريع وفرص ترفع نسبة الإيرادات غير النفطية مقابل نظيراتها النفطية، فكانت الكويت كلما سجلت فائضا قياسيا في إيراداتها سجلت معه تراجعا في تنافسية اقتصادها، ومدى توفر بيئة جيدة للاستثمار فيها، بل امتد الأمر إلى تراجع لا يناسب النمو في الفوائض على مستوى الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والإسكان، مما يشير بشكل جلي إلى كيفية توفر الأموال، رغم ضخامتها، في يد إدارة لا تحسن التعامل معها.ولا يتعلق الأمر فقط بالفوائض المالية، بل بودائع القطاع الخاص التي لم تجد البيئة الاستثمارية المناسبة لتوظيف أموالها، فمنذ بداية الأزمة المالية العالمية نمت الودائع في الكويت - القطاع الخاص - بنسبة 96%، مرتفعة من 16.5 إلى 32.5 مليار دينار حاليا، وذلك أعطى مؤشرا عن قناعات المستثمرين، أفرادا وشركات، بواقع السوق المحلي، خصوصا في ظل ضعف العائد على الودائع، مما يعني أن المستثمرين لم يجدوا أي فرصة مجدية لاستثمار أموالهم، خصوصا في غياب إجراءات الحكومة للتحفيز وإنعاش الاقتصاد.كلما تراجع سعر برميل النفط كانت الحاجة أكثر لاصلاح الميزانية وتنويع الاقتصاد فما نحتاج إليه هو الكثير من الإجراءات لا مجرد رفع أو ترشيد الدعم عن الخدمات -رغم ضرورته-، فهناك حاجة إلى خصخصة حقيقية تتوافر فيها المنافسة للمستهلك ويكون دور الدولة فيها رقابيا واشرافيا من خلال هيئات عليا لكل قطاع يتم تخصيصه، كذلك يجب رفع العبء المتكون على الميزانية العامة بسبب التوظيف والرواتب والأجور، التي تستهلك أكثر من 10.5 مليارات دينار من أصل 23.2 ملياراً، هي اجمالي الموازنة (6 مليارات دينار قيمة دعم السلع)، ورفع العبء يكون بإطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة بتسهيل الإجراءات والتمويل ومنح الأراضي وتسهيلات العمالة، فضلاً عن استقطاب استثمارات اجنبية تخلق فرص عمل للعمالة الوطنية، كي تتاح الفرصة للطامحين في العمل الحر لأن يجدوا ضالتهم بعيدا عن العمل الحكومي، إضافة إلى تطوير مدينة الحرير وميناء مبارك وتنفيذ عملياتهما، لنضمن عوائد استثمارية ناتجة عن عمليات خدمية فيها درجة أعلى من الاستمرارية وتنويع سوق العمل.هناك حاجة لاطلاق أدوات جديدة في الاقتصاد الكويتي تنمي الإيرادات غير النفطية التي تبلغ حاليا نحو 7%، لنكون أقل انكشافا أمام أي تراجع في سعر برميل النفط المقدر «رسميا» بـ70 دولارا للبرميل (وزارة المالية حددته بـ98 دولاراً بعد استقطاع 25% من الإيرادات السنوية لصندوق احتياطي الأجيال القادمة) في حين تسجل الميزانية انخفاضاً بـ9% في الإنفاق الاستثماري و0.7% في تراجع الإيرادات غير النفطية، رغم خطط رفعهما، وترتفع المصروفات العامة 3.2%رغم الاتجاه إلى تقليصها.