مع ظهور مؤشرات على فقدان البنك المركزي الروسي لسيطرته على سوق العملة في البلاد، عمدت وسائل الإعلام المالية العالمية إلى التحذير من احتمال حدوث أزمة مالية في ذلك البلد، كما عمد بعض الخبراء إلى تشبيه ما يجري اليوم بالأحداث التي شهدها أغسطس سنة 1998 عندما أفضى تخلف روسيا عن سداد ديونها إلى اضطرابات اقتصادية ومالية عالمية، وفي ضوء هذه الخلفية نقدم هنا الأشياء السبعة التي يتعين معرفتها حول ما يجري في روسيا الآن، والاحتمالات التي من المتوقع أن تحدث في المستقبل:

Ad

صدمة العقوبات الغربية

1 – عانت روسيا، بعد صدمة العقوبات الغربية وهبوط أسعار النفط، تراجعاً حاداً في الأرباح الأجنبية الصافية، وأعقب ذلك عمليات هروب رأس المال من البلاد، مع سعي الشركات والعائلات الروسية إلى تحويل أرصدتها من الروبل إلى الدولار وغيره من العملات "الصعبة"، وقد أفضى ذلك إلى هبوط حاد في الاحتياطيات الدولية وفي قيمة الروبل، كما أسهم ذلك في زيادة خطر حدوث اضطرابات مالية داخلية.

مسألة وقت فقط

2 – وفي الوقت ذاته إنها مسألة وقت فقط، قبل أن يضطر الاقتصاد الروسي إلى مواجهة رياح تضخمية أشد قوة، ومن المؤكد أن خفض قوة العملة الشرائية سيغذي موجة التضخم، بينما يسهم الهبوط في الدخل الأجنبي في تقليص النشاط الاقتصادي الداخلي.

تراجع البنك المركزي

3 – ويبرز تراجع البنك المركزي عن خطة دعم الروبل عمق الورطة التي تواجه البلاد، وقد تمثلت ردة الفعل الأولية من جانب السلطات في استخدام الاحتياطيات الدولية الضخمة من أجل مواجهة تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب بعد أعمال روسيا وتدخلها في أوكرانيا، ثم عززت تلك السلطات خطوتها عبر التدخل في أسواق صرف العملات الأجنبية والريبو التي تقوم بمبادلة الأسهم بمبالغ نقدية، إضافة إلى رفع معدلات الفائدة. وقد خفف ذلك من حدة ما كان سيتحول إلى ضغوط أكثر إرباكاً بالنسبة الى الروبل وإلى فقدان أسرع للثقة، ولكن الانهيار الذي أصاب أسعار النفط في ما بعد وزيادة هروب رأس المال أضعف هذه الاستراتيجية وأرغم البنك المركزي الروسي في الأسبوع الماضي على التراجع عن سياسته وبالتالي تعويم العملة بصورة تامة.

توقعات المستقبل

4 – لا بد من حدوث شيء ما خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وقد يخرج وضع سوق صرف العملات الأجنبية بقدر أكبر عن السيطرة، وربما ترد حكومة موسكو على ذلك بقوة عبر مجموعة من الإجراءات المالية والنقدية، بما في ذلك زيادة معدلات الفائدة وخفض الإنفاق. وسيفضي أي واحد من هذين الأسلوبين الى خطر إضعاف النشاط الاقتصادي في البلاد بدرجة أكبر في الأجل القصير، كما أن الحصيلة الأكبر قد تتمثل في زيادة من نوع ما في معدلات الفائدة واستخدام الرقابة من أجل شراء الوقت وذلك عن طريق الحد من استخدام الدولار، وضخ المزيد من العملة الأجنبية الى الحكومة.

ضغوط ائتمانية كبيرة

5 – وبينما تتعرض مصداقية روسيا الائتمانية الى ضغوط كبيرة، مع بقاء الاحتياطيات الدولية فوق 400 مليار دولار حتى الآن، فإن قدرة البلاد على خدمة الديون لم يتم استنفادها، شريطة أن تتمكن السلطات في موسكو من تحقيق إدارة أفضل لحركة نقل العملة من الروبل الى الدولار، ولكن على الرغم من ذلك كله، وحتى في تلك الحالة، ربما قد تكون مسألة وقت فقط قبل أن تفقد روسيا تصنيفها الائتماني في قطاع الاستثمار، وسوف يفضي ذلك الى رفع تكلفة الإقراض بالنسبة اليها كما يعمل على تضييق قاعدتها الدائنة بقدر أكبر. وهكذا سيكون الوضع حاداً بالنسبة الى الشركات والبنوك التي يتطلب وضع ميزانياتها القيام بدفع المزيد من الروبلات من أجل الحصول على العملة الأميركية اللازمة لتلبية التزاماتها الخارجية.

تأثيرات سلبية

6 – التأثيرات السلبية المتعلقة بالفوضى المالية في روسيا تقل بدرجة كبيرة عما كان عليه الحال في سنة 1998، وبينما لايزال لدى البعض من البنوك والمستثمرين الغربيين درجة كبيرة من الانكشاف فإن قلة فقط استجابت الى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية في الأشهر القليلة الماضية من خلال خفض موجوداتها والاستعداد لحدوث مزيد من الفوضى والقلاقل.

عوامل جيوسياسية عالمية

7 – تمثل السياسات الوطنية والعوامل الجيوسياسية العالمية أفضل الأوراق الرابحة في هذه العملية، كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ارتفعت شعبيته بقوة بعد تدخل بلاده في الأزمة الأوكرانية في وقت سابق من هذه السنة، يواجه واحداً من خيارين، ومن غير الواضح تماماً أي خيار سوف يعتمد على الأرجح. وفي وسع بوتين تخفيف تورط روسيا في أحداث أوكرانيا كوسيلة من أجل تخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية، أو أن يعمد إلى الضغط بقوة أكبر في أوكرانيا من أجل صرف الانتباه في الداخل الروسي عن الوضع الاقتصادي، ولكنه سيغامر عندئذ بمواجهة جولة جديدة من العقوبات والعقوبات المضادة التي ستضاعف الفوضى الاقتصادية والمالية في بلاده، إضافة الى احتمال دفع أوروبا الى ركود اقتصادي، وتتباعد مضاعفات السوق بالنسبة الى هذين المسارين بصورة هائلة.

هبوط أسعار النفط

وتجدر الإشارة إلى أن الفوضى المالية الأخيرة، التي تفاقمت نتيجة انخفاض أسعار النفط، تعكس التوترات الجيوسياسية وقرار روسيا المتعلق بتفضيل المغامرات الإقليمية على الاستقرار الاقتصادي والمالي في الداخل.

* محمد العريان | Mohamed El–Erian