طرق عملية لإقناع صاحب العمل بمؤهلاتك
تمثل الإنتاجية المتوسطة القيمة الإجمالية للمادة المنتجة، مقسمة على عدد الأشخاص الذين أنتجوها، وهي بالتالي تختلف تماماً عن الإنتاجية الحدية، ولا يوجد نموذج اقتصادي يقول إن الموظف يحصل على أجر يعتمد على متوسط الإنتاجية.
ثمة أسطورة شائعة تقول إن الناس يحصلون على أجور تعادل قيمة ما ينتجون من أعمال، وفي حقيقة الأمر فإن هذه الصورة غير صحيحة وليست حتى منطقية.وفي الاقتصادات القياسية يعادل أجرك الإنتاجية الحدية (وهي تساوي نفقة الإنتاج مع قيمته) التي تحققها الشركة التي وظفتك، وهذا يعني أنك تحصل على أجر يساوي كمية الزيادة التي حققتها الشركة في الإنتاجية عندما وظفتك، وقد يبدو ذلك مثل كونك "تحصل على أجر لقاء كمية ما تنتج من عمل"، ولكنه ليس الشيء ذاته.
وبصورة عامة، لا ينتج الناس الأشياء بصورة فردية، بل في إطار عام بعضهم مع البعض الآخر، وذلك عبر مساعدة من رأسمال يتمثل في الآلات والأبنية التي تشغلها الشركة، وهكذا عندما تقوم شركةٌ ما بتشغيلك فإن إنتاجيتها الحدية تتغير، وذلك لأن وجودك يؤثر على الإنتاجية الحدية لكل شخص آخر في تلك الشركة.وبكلمات أخرى، فإن أجرك، في اقتصاد منافس وكلاسيكي، لا يصبح محدداً من خلال جهودك ومهارتك الخاصة، بل عبر كيفية اختلاط جهودك ومهارتك مع جهود ومهارات كل الأشخاص الآخرين الذين يعملون في تلك الشركة، وكذلك مع أصول رأسمال الشركة. ويقودني هذا إلى جدول بياني مشهور انتشر على الشبكة العنكبوتية منذ سنوات عديدة، وهو ابتعاد الأجور عن عوامل الإنتاجية... ويمكن توضيح ذلك بأنه: يبدو كأن الأجور والإنتاجية كانتا، حتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي، ترتفعان معاً – كما يقضي الاقتصاد – ولكنها تباعدتا بعد ذلك، وفجأة أصبح الناس ينتجون المزيد ولا يحصلون على تعويض في مقابل ذلك.والسؤال هو ما الذي حدث؟ هل فشلت الأسواق في البيع؟ أم هل تم الإعلان عن الإنتاجية وأرقام الأجور بصورة غير صحيحة؟ وهل أخطأت الاقتصادات الكلاسيكية؟ ربما. ولكن في واقع الأمر يمكن القول إن ترجمة هذا الجدول البياني ليست صحيحة. إنها غلطة. ويرجع ذلك إلى أن الجدول يظهر متوسط الإنتاجية لا الإنتاجية الحدية.تمثل الإنتاجية المتوسطة القيمة الإجمالية للمادة المنتجة، مقسمة على عدد الأشخاص الذين أنتجوها، وهي بالتالي تختلف تماماً عن الإنتاجية الحدية، ولا يوجد نموذج اقتصادي يقول إن الموظف يحصل على أجر يعتمد على متوسط الإنتاجية، وإذا كان الحال على هذا النحو فلن يكون هناك دخل يفوق رأس المال، ولا الأرباح ولا الإيجارات أو الفائدة، وعندئذ سنعيش في ما يشبه العالم الماركسي، حيث العمل يمثل الشيء الوحيد الذي يتمتع بأي قيمة.نموذج «سولو»ولكننا لا نعيش في مثل ذلك العالم، ولذلك فإن متوسط الإنتاجية والأجور يحظى بحرية التباعد بصورة تامة، وفي نموذج "سولو" ــ وهو نموذج النمو الأساسي إلى حد كبير والمستخدم بكثرة من قبل الاقتصاديين والذي لا يزال يدرسه طلبة الاقتصاد ــ تعتمد الفجوة بين الأجور والإنتاجية العادية على معدلات النمو الثابتة في الاقتصاد، وعلى معدل نمو عدد السكان إضافة إلى معدل هبوط قيمة رأس المال، وعلى مقياس يدعى "حصة رأس المال من الدخل" الذي يمثل كمية الدخل القومي التي يحصل عليها أصحاب رأس المال. ومن خلال استخدام هذا النموذج البسيط شهدنا حدوث عدد من الأشياء خلال السنوات الأخيرة يمكن أن تفضي إلى التنوع بين الجور والإنتاجية العادية، فقد حدث تباطؤ في نمو عدد السكان، وكذا الحال بالنسبة إلى اتجاهات النمو في الأجل الطويل. ومنذ سنة 1980 على وجه التقريب – وبقدر أكبر منذ سنة 2000 – بدأت حصة الدخل المخصص للعمل بالهبوط.الحقيقة الأخيرةهذه الحقيقة الأخيرة التي تمثلت في زيادة حصة رأس المال من الكعكة القومية تشكل حقاً الغموض الأكبر، فما سبب حدوث ذلك؟ هناك فرضيتان أساسيتان تتنافسان في هذا الصدد: الزيادة في عدد الروبوتات والانخفاض الكبير في طاقة العمل.تمثل الزيادة في عدد الروبوتات فكرة تقول إن بضائع الرسملة أصبحت أرخص ثمناً، وقد جعل ذلك خطوة استبدال البشر بالآلات عملية مربحة بالنسبة إلى الشركات، كما عثر بعض الاقتصاديين من أمثال لوكاس كاراباربونيس وبرنت نيمان على دليل من نوع ما لهذه الفرضية.وقد تحدى هذا الدليل مايكل إلسبي الذي وجد أن تخمة العمالة من الصين والهند وغيرهما من الدول النامية كانت العامل الأكبر وراء هبوط حصة العمل من الكعكة، ويعني البحث عن عمالة وسلاسل الإمداد العالمية – إضافة الى سقوط الشيوعية – أن العمال في الدول الغنية، وبصورة مفاجئة، أصبحوا يتنافسون بشكل مباشر مع عمال من كل مكان في العالم ومعظمهم من الشريحة التي تعيش في دول فقيرة في رأس المال.ومن شأن ذلك بصورة طبيعية أن يجعل العمالة أقل ندرة، وبالتالي أدنى قيمة، وأنا أطلق على هذا الوضع فرضية "هبوط العمل الكبير"، وهي نظرة تتسم بقدر أكبر من التفاؤل مقارنة مع "زيادة عدد الروبوتات"، وذلك نظراً لأن هبوط نسبة العمالة سيتلاشى في نهاية المطاف وترتد طاقة العمل مع ضياع العديد من الصناعات في وجه المنافسة الخارجية (ما لم يتم استبدالها بصناعات أفضل).ومهما كان سبب هذا التحول فإن من الخطأ الظن أن العامل الأميركي قد اعتاد على تحقيق أجر عادل في مقابل ما ننتجه وهو الآن عرضة للخديعة من قبلنا، وفي اقتصاد عولمة رأسمالية أنت لا تحصل على أجر في مقابل ما تنتجه، وفي حقيقة الأمر أنت لن تتمكن من إنتاج أي شيء من دون مساعدة من جانب الآخرين، ثم إن الأجر الذي تحصل عليه هو ما تستطيع إقناع الآخرين بتقديمه لك لقاء عملك.* Noah Smith