هشام أصلان: نعيش حالة من الغبش في الواقع والسرد معاً
الكاتب هشام أصلان ابن الأديب الكبير إبراهيم أصلان، هذا الواقع أدخل في نفسه الرعب من المقارنة بينه وبين والده أو أن يقع في فخ التأثر بالأب، مع ذلك انطلق في مغامرة الكتابة الأدبية وأصدر أخيراً مجموعته القصصية «شبح طائرة ورقية».
حول تجربته الأدبية وواقع أنه ينتمي إلى عائلة أغنت المكتبة الأدبية بروائع من خلال الأديب الكبير ابراهيم أصلان، كان الحوار التالي معه.
حول تجربته الأدبية وواقع أنه ينتمي إلى عائلة أغنت المكتبة الأدبية بروائع من خلال الأديب الكبير ابراهيم أصلان، كان الحوار التالي معه.
عنوان مجموعتك القصصية يحمل تفاسير عدة، كيف تقرأه ككاتب؟
اختيار العنوان أخذ مني وقتا طويلا، والحقيقة لم أتوقف عند ما إذا كان شعرياً أو لا، كانت لديَّ معايير أخرى، على سبيل المثال كنت أميل إلى عدم استخدام أحد عناوين النصوص، إذ أعتبر العنوان الرئيس نصاً مستقلاً بذاته ومكملاً لباقي عناوين المجموعة، وفكرة الطائرة الورقية، بالإضافة إلى كونها تفصيلة في أحد النصوص، فهي تعكس الأجواء الزمنية والمكانية التي تدور داخلها المجموعة، تُكملها فكرة الشبحية التي آمل أن أعطي عبرها انطباعاً بالغبش المخيم على حالة الحكي.العالم الذي تدور فيه القصص يتجول بين المدينة والحي القديم والريف، هل للمكان الأثر الأكبر في مجموعتك الأولى؟المكان بطل أساس في أي عمل أدبي، ويصعب تجاهله في ما يخص الأسئلة الإنسانية، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، هذه مساحة مفتوحة للتناول، لكنني حاولت قدر الإمكان التعامل مع بعض الزوايا الخاصة بتبادلية العلاقة بين الإنسان والمكان عبر إمكانية اكتشاف العالم من خلال الأحياء الخلفية للمدن، في مقابل الصمت الذي يقابلك في الأحياء الأمامية أو الشرفات التي تطل على بحار وشوارع رئيسة، وتيمات أخرى مثل طغيان المركز وعلاقته بالهامش، والإحباط الذي يصيب البعض عند زيارة أماكن تصوروا أن لها هالات معينة، وأسطورية لم يجدوها، بالإضافة إلى عناصر مثل الفقد والتلصص وبعض التصورات المختلفة عن الغربة، وهكذا.هل يعني ذلك أن ثمة ضرورة في أن يكون مكاناً معلوماً؟ للمكان أثر كبير ومباشر على خصائص البشر وطريقتهم في الحياة، من هنا يُفسّر، مثلاً، مدى ارتباك البعض بمجرد خروجه من حيزه المكاني ودخوله حيزاً آخر له ظروف مختلفة، بالإضافة طبعاً إلى المساحة التي تحتلها بعض الأماكن داخل تكوين غالبيتنا.اهتمامك بالوصف أخذ قدراً كبيراً من اهتمامك بالحكي. صحيح، وإن كنت أرى أن مصطلح «الرصد» أكثر دقة، بتعبير صديقي منتصر القفاش، فأنت طوال الوقت أمام راوٍ مشغول بالرصد، عبر مسافة، في محاولات دائمة لفهم العالم، من خلال الرؤية من زوايا، أتصورها، مختلفة بعض الشيء، مثل تخيل بدائل للأحداث واحتمالات متعددة النهايات، ولكن دعني أصارحك بأنني، في البداية، كنت أجد أن ما يدور في ذهني هو مشاهد أكثر منه حكايات، وكانت المشكلة أن هذا المشهد كان ينتهي بكتابته في أربعة أو خمسة أسطر، وأنت لا تريد أن يشعر المتلقي بأنك تعافر من أجل لوي الحكاية بشكل أو بآخر، وهذا ما اعتقدت أن له علاقة بالخبرة والتمرين على توسيع المشهد، ثم بمرور الوقت، ومع اتخاذ قرار بالجلوس على الكتابة والتواصل معها بشكل يومي، بدأت التعايش مع المكتوب وتخليصه من الزوائد التي كنت قد صغتها من قبيل ابتكار حكايات، مع تفتيح احتقانات أخرى وصياغة الحكايات التي تلائم المشاهد والرصد. بصفتك ابن كاتب كبير معروف، ما مزايا ذلك وعيوبه؟هذا أمر يعرفه أغلب المقربين، وتحدثت فيه كثيراً من قبل، المسألة لم تكن سهلة على الإطلاق، كانت بمثابة تجريب تتخلله مخاوف على رأسها، كما يعلم كثيرون، ما يربطني بإبراهيم أصلان، وتخوفي من تلقّي ما أكتبه بوصفه تقليداً باهتاً لما كان يكتبه، وقيمته وحضوره الكبير، الذي ستنهار أمامه أي محاولة شبيهة يشوبها عدم الصدق. كيف بدأت علاقتك بالكتابة؟في البداية، فررت من المسألة بإيجاد صيغة، تتلخص في صياغة ما يشغلني من أسئلة ورغبة في الحكي، عبر مقالات أدبية، أتناول فيها ما يشغلني من خلال الكتابة عن آخرين، لكن هذه الصيغة، لم تمنع بعض المحاولات الخاصة، وبدء كتابة هذه النصوص، تقريباً في نهاية 2011. آنذاك، لم أستطع تصنيفها، ثم عملت، بقسوة حقيقية، على الانفصال عن هذا الجدر القوي وإدراك أن ثمة كتابة عظيمة تأتي من مناطق أخرى وبتقنيات مختلفة عما ينتهجه إبراهيم أصلان.أحد الأمور المهمة التي ساهمت في اطمئناني قليلاً، تغير شكل علاقاتي داخل الوسط الأدبي بعد رحيل الأب جسدياً، مما وسع دائرة الوعي والتذوق.أحياناً يظلم نجل المبدع عندما تتم مقارنته بوالده.. ألم تخش من هذه المقارنة؟بل أرعبتني، ولكن الأكثر قسوة من المقارنة، وكان هماً حقيقياً بالنسبة إلي، الوقوع في فخ التأثر الحقيقي بالأب وتقديم عمل يعطي انطباعاً بالتقليد الباهت لكتابته.لماذا تأخر كتابك الأول رغم الخبرة الواضحة في لغتك الإبداعية؟بسبب الخوف من الأسباب التي ذكرتها في الإجابتين السابقتين.البعض صنف “شبح طائرة ورقية” ككتاب قصصي وليس مجموعة قصصية، هل تريد التخصص في كتابة {المتواليات القصصية} لعدم رغبتك في كتابة الرواية، أم ماذا؟لا أريد التخصص في شيء، ولم أقل إنني لا أودّ كتابة الرواية، بالعكس الرواية هي الوسيط الأدبي الأكثر جذباً للقارئ حالياً، ربما تكون ثمة مبررات، أتفق معها كثيراً، لتصنيف البعض للعمل بأنه كتاب قصصي، مثل سير المجموعة على إيقاع واحد، وعبر خيط وطريقة سرد واحدة، وهذا بالمناسبة يختلف عن فكرة المتتالية القصصية.سبق أن قلت إن تصنيفي للعمل كمجموعة قصصية، لا ينفي عنه صفة «الكتاب» الذي لا بد من أن يقدم للمتلقي حالة وجدانية ومزاجية واحدة، أردت تقديم عمل متماسك لا يشتت القارئ، وحاولت، قدر الإمكان، عمل توازن بين إيجاد تنوع في النصوص وبين إتاحة تلقيها في نفس واحد، كما ذكرت لك، في إجابة سابقة، لم أستطع تصنيف العمل في بداية الكتابة، تستطيع القول إن النصوص اختارت لنفسها أن تخرج في هذه الصيغة، وأنا انتهيت منها عندما قررت أن أخضع لما اختارته لنفسها.هل ستتحوَّل إلى كتابة الرواية في المرحلة المقبلة؟رغم أنه كلام سابق لأوانه، لكنني لا أخفيك سرا أنني في بداية كتابة هذه النصوص، فكرت في صياغتها بعمل روائي، فكما ذكرت، كانت لديَّ حيرة فيما ستنتجه الكتابة، قبل وصولي إلى قناعة أن الشكل القصصي هو الأنسب، غير أنني بالفعل ما زلت مشغولاً ببعض عوالمها، وأتصور أن بعض الشخوص والأماكن تحتمل توسيعها في عمل روائي مقبل، لكن، كما قلت، هو كلام سابق لأوانه.