قبل البداية في كتابة المقال، أحب أن أوجه الشكر إلى "الديوان الأميري" على منجزاته الرائعة الجميلة المتمثلة في حديقة النباتات وحديقة الشهيد، وهما من الأعمال التي تشرح القلب وتسرّ العين وتسعد المواطنين وتبهجهم في وسط وقت زمن الأزمات والمخاوف من العنف وعصف الاختلافات والتغيرات التي قلقلت وقلبت الأوضاع في كل الدول المحيطة بنا، تأتي هذه الحدائق لتمتص الحنق وتمنح الناس مساحة وفسحة خضراء للهدوء وتنفس الأمل الذي بات مثل الحلم البعيد.

Ad

هذان المشروعان قفزة جمالية حضارية، الكويت في حاجة ماسة إليها، فهما ليسا فقط من المشروعات التجميلية، لكنهما يمثلان نقلة مهمة في ترهيف الإحساس ورقة التلقي لدى الصغار والكبار، وهو ما تبثه الحدائق والمتنزهات والشواطئ وكل المناطق المعدة للترفيه وامتصاص الضغوط والعنف والغضب والكره والعدوانية من النفوس.

 فدور هذه المشروعات قد يبدو على السطح مجرد ترفيه أو تزيين للمدن التي تخلو من الطبيعة الخضراء، لكن دورها في الواقع أكبر بكثير من هذا المعنى، وقد انتبهت الدول الكبرى لدور هذه المتنزهات، فأقامت الكثير من المنشآت الترفيهية والمتنزهات ذات الحدائق الرائعة بكامل خدماتها الراقية من ملاعب رياضية مختلفة، يرتادها أفقر الناس في أفقر المناطق والأحياء السكنية المكتظة ببشر يعيشون في مساكن كأنها أقفاص أو جحور تختنق بهم، وهذه المشاريع الترفيهية التي قدمتها الدول الغربية لهم بكرم، هي في الواقع خطة ذكية لامتصاص غضبهم واتقاء شر عنفهم الذي تمتصه هذه الملاعب والحدائق الفسيحة، التي تمنحهم حرية الحركة والأكسجين الذي ينقص أقفاصهم التي يعيشون بها، وهو ما قامت به دول أوروبية عديدة خاصة في فرنسا وبريطانيا اللتين يكثر بهما فقراء المهاجرين.

 فأجمل الحدائق والمشروعات الترفيهية في إنكلترا موجودة في أفقر مناطقها، وهذا هو الذكاء البريطاني الذي يعرف كيف يمتص عنف وغضب الشباب الذي لولا خطط الامتصاص الذكية هذه، لعانت الدولة الكثير من فقراء سكانها.

لذا، ليس خسارة أبداً ما تنفقه الدولة على المشاريع الترفيهية التي تقدم للشباب، الملاعب والحدائق والمسابح والنوادي وجميع المنشآت التي تمتص طاقة العنف أو الغضب أو التوهج لديهم، هذه المشروعات هي الاستثمارات الحقيقية في تربية وإعداد روح ووجدان المواطن الإنسان الصالح، وهو ما تحتاج إليه الكويت.

مقالات كثيرة كتبها الزملاء في حق رعاية الشباب الذين يمثلون نصف عدد الكويتيين، وطاقة الشباب الهادرة هذه قد تكون قنابل موقوتة إن لم يُحسن توجيهها ورعايتها ووضعها في مسارها السليم.

اقترحت الزميلة منى الشافعي أن تقوم الجمعيات والمؤسسات الأهلية بدورها في خدمة المجتمع، عن طريق المساهمة في تقديم خدمات وأنشطة لاحتواء الشباب ورعايتهم، وهذا اقتراح عملي واقعي ومفيد، ففي كل منطقة من مناطق الكويت جمعية مساهمة من سكانها، فلو التزم كل منها بتقديم منشآت رياضية ترفيهية تعليمية وتربوية لشباب منطقتها، لأصبح لدى كل شباب المناطق أهداف تحتوي آمالهم وأحلامهم، وفي الوقت ذاته تستنفد طاقاتهم في أمور ومواضيع مجدية تفيدهم وتفيد مجتمعهم.

الكثير من الشباب متوجه اليوم إلى الرياضة، خاصة رفع الأثقال وبناء الجسم المثالي، وهذا لا يتم إلا عن طريق النوادي الصحية التي ليس في إمكان الجميع دفع تكاليفها، فماذا لو قامت الجمعيات ببناء نواد مكيفة ومجهزة بكامل المتطلبات الرياضية، بما فيها عدد من المدربين، حتى وإن عملت على أن يكون هناك اشتراك بسيط يسهل الانضمام للنادي، ويسدد منه أجور العاملين فيه؟

وعلى شاكلة هذه النوادي، من الممكن إقامة ممشى مكيف، أي (تراك) تُمارس فيه رياضة المشي صيفاً وشتاء، كما تمكن إقامة مسابح للشباب من الجنسين تُخصص أيام لكل منهم ليمارسوا فيه السباحة، وأيضا بالإمكان إقامة الورش  التي يُدعى إليها كتّاب ورسامون أو شعراء للحوار مع الشباب وتنمية قدراتهم الفنية والاستفادة من التواصل مع الكبار والتعلم منهم، كما أن وجود صالة تخدم لتعلم المهارات الفنية والأدبية والثقافية، مثل الرسم والكتابة والموسيقى أو التمثيل المسرحي، أو تعلّم الحرف مثل التفصيل والتصميم والخياطة والتدبير المنزلي أو الديكور والنجارة والأعمال الفنية التي توجه الطاقات الشبابية إليها، وتفيد مستقبلهم وتنمي قدرات مواهبهم وتصقل شخصياتهم وتعلّمهم معنى أن يكون الإنسان منتجاً وليس مستهلكاً فقط، وهو ما يحتاج إليه الوطن.