ألقى الدكتور سعد البازعي محاضرة مهمة في جامعة أوتاوا بالعاصمة الكندية الأسبوع الماضي باللغة الإنكليزية لطلبة الجامعة والأساتذة المهتمين بدراسات الشرق. ما طرحه الدكتور البازعي ليس جديداً على النقد الكولونيالي وما بعده، ولكنه طرح مهم لاستجلاء حقيقة الصورة النمطية التي ينظر بها الغربي للشخصية العربية، وسطوة هذه الصورة التي بدأت تأخذ شكلاً ثابتاً تقريباً في الذهنية الغربية. تناول البازعي الصورة المضادة، وهي صورة الآخر الغربي في الرواية السعودية، متناولا روايتين لأميمة الخميس وبدرية البشر صدرتا في العقد الماضي، وقصيدة لغازي القصيبي يعود تاريخها للخمسينيات من القرن الماضي، وأخرى لمحمد الدميني. وفي مجمل هذه الأعمال ألقى الضوء على صورة هذا الآخر في الأعمال السعودية ومغايرتها للنمطية الشعبية التي لا تتفق مع الواقع.

Ad

الأكثر أهمية في هذه المحاضرة، ليس عنوانها ولا الموضوع المهم الذي تناولته، وإنما تحققها. ما نحن بحاجة إليه دائماً في تبادل الاتهامات مع الآخر هو أن نجلس ونتحاور معه، نناقشه ونستمع إليه ويستمع إلينا ونرد على أسئلته. والنقاش الذي يتلو هذه المحاضرات يشكل الجزء الأهم فيها. كانت أسئلة الحضور مشاغبة ترى أن الأطياف العربية متسقة في رؤيتها لهذا الآخر، وتحمل صورة مجتمعية توافقية تجاهه. هي لا تنظر إلى التباين بين فئات المجتمع وطبقاته المثقفة والعادية، وتلك حالة يصعب انتزاعها من الذهنية الغربية إذا لم يتم الحوار حولها والاستماع إلينا بشكل علمي ومنطقي.

الذين يرون أن الصورة النمطية في العقل الغربي ثابتة ولا يمكن لها أن تتغير، هم بالتأكيد يفشلون في محاولة تقديم أي جهد ممكن لتغيير تلك الصورة، واختيار الجامعات الغربية لمثل هذه المحاضرات هو السبيل الناجح. لدينا اليوم مجاميع كبيرة من الأساتذة الدارسين والمدرسين أيضاً في الجامعات الغربية، وإقامة محاضرة شهرياً على الأقل في جامعة لا تكلف كثيراً ولا تحتاج إلى أكثر من محاضر زائر وإعلان عنها.

وأرى أن الصورة التي يقدمها الإعلام الغربي، الذي تستحوذ عليه الجهات الموالية لإسرائيل والمناهضة للعرب، عن العربي والمسلم تتغير رغم صعوبة الدخول إلى هذا الإعلام أو اختراقه.

قبل أيام كانت إحدى الإذاعات تتناول انتحار الطيار الألماني فوق جبال الألب ومقتل من معه من الركاب، واستضافت صحافية كندية كانت تقول بكل صراحة إنكم تنظرون إلى اسم الفاعل أولاً، فإذا كان الاسم عربياً أو مسلماً قررتم، دون أن تنظروا إلى تاريخه، أنه إرهابي، أما إذا كان الاسم منا، فالفاعل يكون مختلاً عقلياً ومريضاً نفسياً. تلك هي حقيقة الصورة التي ارتبطت بكل الأحداث التي مضت والتي تناولت اسم الفاعل ولون بشرته للحكم على العمل وتصنيفه. فليس من حق الفاعل العربي أو المسلم أن يكون مختلاً عقلياً أو مريضاً نفسياً وهو يقوم بعمل ما.

الحاجة ماسة إلى أن تقوم جهة عربية تشكل مركزاً إعلامياً يضم مجموعة من المحاضرين، تكون مهمتها العمل على قلب هذه الصورة. العالم العربي اليوم أيضاً يعاني من مرضاه وعقولهم المختلة، وضررهم في عالمنا أكبر وأقسى من ضررهم في الغرب.