فجر يوم جديد : {مجلس حرب}!

نشر في 05-09-2014
آخر تحديث 05-09-2014 | 00:01
 مجدي الطيب مرة أخرى، وليست أخيرة، نجد أنفسنا أمام أزمة مفتعلة لا أظن أن لها وجوداً في أوروبا والدول المتقدمة، وأعني بها اعتراض كل نقابة من نقابات المهن الفنية على اشتغال أي مواطن بالمهنة التي يجد نفسه فيها، أو يريد أن يقول شيئاً من خلالها؛ كما حدث من نقابة المهن السينمائية التي اجتمع مجلسها، وكأنه «مجلس حرب»، واتخذ قراراً قاطعاً حاسماً برفض الموافقة على طلب المنتج محمد السبكي بتحمل مسؤولية إخراج فيلم جديد، وهو القرار الذي صدر بالإجماع، بحجة أن قانون النقابة يتيح للشعب المتجاورة فقط امتهان الإخراج، بمعنى أن من ينتمي إلى شُعب المونتاج أو السيناريو يحصل على تصريح الإخراج في حين يُحرم كل من ينتمي إلى شعبة الإنتاج أو الديكور من التصريح!

العجيب أن النقابات، بتعاقب واختلاف مجالسها، أول من يعلم أن لوائحها عقيمة، وتحتاج إلى مراجعة دقيقة لمواكبة العصر، ومسايرة إيقاعه، وتنقية القوانين التي تحكمها من شوائب علقت بها طويلاً، والأهم تحرير هذه اللوائح من البنود المكبلة للحريات، والمقيدة للإبداع، بدليل أنها أول من يخالف هذه اللوائح عندما تتراجع عن قراراتها، وتوافق على منح تصريح مزاولة المهنة لمن يشاء بشرط تسديد الرسوم المطلوبة، وكأنها تحولت إلى مجالس «جباية» للأموال!

في الموقعة الأخيرة، رفض مجلس نقابة المهن السينمائية طلب المنتج محمد السبكي، ولم تتفاقم حدة الأزمة نظراً إلى أن صاحب الطلب ـ المنتج ـ أدرك، في ما يبدو، أن طلبه سيواجه بالرفض فما كان منه سوى أن رشح المخرج أحمد البدري بديلاً عنه في إخراج الفيلم، الذي يحمل عنوان «حديد»، على عكس ما حدث مثلاً مع الممثل والمنتج يوسف منصور بطل الكونغ فو الذي تشبث بممارسة حقه الذي يخوله له القانون في إخراج فيلم «قط الصحراء»، وبرغم أن نقابة المهن السينمائية عينت له وقتها (1995) أحد أعضاء شعبة الإخراج وهو سعيد محمد مرزوق ليتولى مهمة إخراج الفيلم فإنه ضرب بالقرار عرض الحائط، وتحمل المسؤولية وحده، وهو الموقف الذي تكرر بحذافيره في فيلم «ميكانيكا»، الذي تحفظت النقابة على تصويره، في حال قيام «بطل الكونغ فو» بإخراجه، وعينت له المخرج الكبير بركات، الذي أدرك أنه مجرد «مُحلل» أو «وسيط»، فما كان منه سوى أن انسحب، وحل مكانه المخرج إسماعيل جمال، الذي كان مجرد واجهة أو «مخرج منفذ»!

المفارقة المثيرة أن الوقائع التي من هذا النوع تكررت كثيراً من دون أن تضع نقابة السينمائيين حداً لها، بل إن بعض مجالسها خلط الحابل بالنابل، وظلم جيلاً من الشباب الواعد، عندما وقف حجر عثرة أمام تحقيق طموحاته، وحالت بينه وخروج أحلامه إلى النور، مثلما فعلت مع المخرج هشام عيسوي، الذي فوجئ بأنه ممنوع من إخراج فيلم «الخروج من القاهرة»، بحجة أنه أجنبي (أميركي الجنسية مصري الأصل)، ومن ثم ينبغي عليه أن يُسدد رسوم قيد قد تتجاوز المئة وخمسين ألف جنيه يمكن تخفيضها في حال قيامه بمعادلة شهادة تخرجه الأميركية بالشهادات المصرية!

أما المخرج الشاب إبراهيم البطوط فقد وجد نفسه طرفاً في صدام شرس مع النقابة، التي بدت وكأنها تجهل التطورات التقنية التي فرضت نفسها على الساحة السينمائية، ومن ثم لا تعترف بالسينما المستقلة، التي لا تعرف، بدورها، الإجراءات البيروقراطية، ولا ترى ضرورة في الالتزام بالتعليمات واللوائح القديمة العقيمة، وأيضاً الخطوات التقليدية التي تمنع أصحاب السينما المستقلة من تصوير أفلامهم قبل حصول سيناريو الفيلم على موافقة ما قبل التصوير، وتحول دون العرض التجاري قبل الاطلاع على نسخة ما بعد المونتاج النهائي، وبقية شروط الإذعان التي رفض جيل السينمائيين المستقلين الرضوخ لها، كما استنكروا هيمنة وسطوة النقابات الفنية والرقابة والجهات الأمنية.

رفض مجلس نقابة المهن السينمائية (بالإجماع) الموافقة على طلب المنتج محمد السبكي ممارسة إخراج فيلمه الجديد، وهو بدوره لم يلجأ إلى تصعيد الموقف، في ظل الأجواء المضطربة، وغير المواتية، التي تحتم عليه ألا يفتح على نفسه جبهات معارك جديدة، بعد موقعة فيلم «حلاوة روح»، واختار أن يُجدد الثقة في المخرج أحمد البدري، الذي تعاون معه سابقاً في أكثر من فيلم، لكن يخطئ مجلس النقابة إذا تصور أنه وضع نهاية لمشكلة تتفاقم، من حين إلى آخر، من دون أن تُحسم بشكل فاعل، فالرسوم الباهظة ليست الحل الناجح، ومحاباة البعض على حساب البعض الآخر، فضلاً عن «لوغاريتم» الشُعب المتجاورة الذي يمنح حقاً لمبدع على حساب آخر ربما يكون أكثر كفاءة منه، مثالب ونقائص تحتاج إلى حل سريع؛ خصوصاً أن الدستور يكفل للمواطن حريات غير منقوصة، وأي متقاض في ساحات المحاكم سيضع النقابة في حرج بالغ!

back to top