ما قل ودل: على هامش حكم «الدستورية» بالسماح لمزدوجي الجنسية بالترشح للبرلمان (1-2)
في تقديري أن هناك خطأ كبيراً وقع فيه كل من يتوجس خيفة من مزدوجي الجنسية وهو الخلط بين المصري الأصيل المتمتع بجنسيته المصرية منذ مولده، والذي أذنت له الدولة بالحصول على جنسية أخرى والاحتفاظ بجنسيته، وبين من منحته الدولة جنسيتها بموجب سلطتها التقديرية.
يطل موضوع مزدوجي الجنسية برأسه مرة أخرى في مصر، بعد حكم المحكمة الدستورية بالسماح لمزدوجي الجنسية بالترشح للبرلمان. الجنسية والولاء للدولةبادئ ذي بدء فإن الجنسية وفقا لما استقر عليه الفقه والقضاء في كل دول العالم رابطة تقوم بين الدولة والفرد، يحكم القانون نشأتها وزوالها ويحدد آثارها، وتقوم في الأصل على فكرة الولاء للدولة، فتتميز بطابعها السياسي وتنشئها الدولة بإرادتها المنفردة، فتحدد بتشريعاتها الوطنية الأسس والمعايير التي يتعين تطبيقها لتحديد من يعتبر متمتعا بها أو خارجا عن دوائر مواطنيها. (انظر في ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا جلسة 7/3/1992- القضية رقم 8 لسنة 8 قضائية).والجنسية هي من صميم الأمور الداخلة في كيان الدولة، فالشعب وتكوينه هو أحد الأركان الثلاثة للدولة، إلى الحد الذي تحرص فيه بعض الدساتير على تنظيم أمور الجنسية، ولا نترك هذا التنظيم للمشرع العادي، لأن الأمر يتصل بسيادة الدولة وأمنها القومي ونظامها العام.الحقوق السياسية مكملة لكيان الإنسانومما لا ريب فيه أن الحقوق السياسية هي حقوق مكملة لكيان الإنسان وشخصيته، وأنه لا يشعر بانتمائه إلى وطن لا يمارس فيه حرياته، وحقه في أن يشارك في بناء وطنه وإدارة شؤون مجتمعه، وهو حق يرتبط بحق الاقتراح العام الذي أصبح عماد الحكم الديمقراطي وجوهره.لذلك، فإن الأصل في النظم الدستورية والقانونية التي تسمح لمواطنيها بالاحتفاظ بجنسيته عند حصوله على جنسية أخرى، أن يستمر المواطن في التمتع بحقوق السياسية، طالما أن الدولة هي التي أذنت له بالحصول على جنسية دولة أخرى.لذلك كان الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في فترة حكم مبارك، ببطلان ترشيح وانتخاب مزدوجي الجنسية خارجا عن هذا السياق، ومثلما أثار حكم "الإدارية العليا" الكثير من علامات الاستفهام، أثار حكم "الدستورية" علامات استفهام أخرى. ازدواج الجنسية والمال السياسيإلا أن البعض علق على صدور حكم المحكمة الدستورية بأنه يفتح الباب على مصراعيه للسماح بعناصر حظرها القانون تماما، بالدخول في السباق البرلماني، وبالتأكيد ستلعب دول مثل تركيا وإسرائيل وأميركا دورها في دعم هذه العناصر بالمال، لاقتحام مزدوجي الجنسية اللجان المهمة في المجلس، ومنها لجنة الأمن القومي ولجنة العلاقات الخارجية.كما فرض هذا الحكم على الأحزاب المصرية إعادة ترتيب أوراقها واستراتيجياتها في العملية الانتخابية، وتغيير توجهاتها والبحث عن تحالفات جديدة، فعلق رفعت السعيد رئيس حزب التجمع على الحكم بقوله لو افترضنا أن أحد الحاصلين مثلا على الجنسيتين الأميركية والأسترالية نجح في الانتخابات البرلمانية فهل سيشارك في الرقابة والتشريع داخل المجلس ويترك مصالحه في تلك الدول، فالوضع ملتبس ومتأزم بشكل كبير؟وطالب الحكومة بأن تضرب بيد من حديد على رؤوس الأموال التي ستدخل بكثرة من الخارج خلال الانتخابات، وهي بالتالي لا يهمها إلا محاولة إسقاط الدولة المصرية، وهؤلاء هم خصوم رئيس الجمهورية الذين يحاولون عرقلته عما يحلم به من تحقيق آمال الشعب المصري وطموحاته.وأشار إلى أن لجنة "الخمسين" التي قامت بإعداد الدستور وأعطت للبرلمان سلطات واسعة أقوى من رئيس الجمهورية منها عزل رئيس الجمهورية هي سبب المأزق، وتوقع السعيد أن جماعة "الإخوان" بعد صدور هذا الحكم سوف تحشد أعضاءها في الداخل والخارج، لدعم مرشحيها من مزدوجي الجنسية.مزدوج الجنسية ليس المتجنسوفي تقديري أن هناك خطأ كبيراً وقع فيه كل من يتوجس خيفة من مزدوجي الجنسية، وهو الخطأ الذي وقعت فيه المحكمة الإدارية العليا في حكمها المشار إليه، وهو الخلط بين المصري الأصيل الذي يتمتع بجنسيته المصرية منذ مولده، والذي أذنت له الدولة بالحصول على جنسية أخرى والاحتفاظ بجنسيته، وهي لا تستطيع أن تنقض ما تم على يديها بحرمانه من كامل حقوق المواطنة، وبين من منحته الدولة جنسيتها بموجب سلطتها التقديرية، والذي تجري النظم الدستورية والقانونية في أغلب دول العالم على وضعه تحت الاختبار بالنسبة إلى تمتعه بحقوقه السياسية، ومنها مصر التي لا تسمح لمن منح الجنسية بحقوق المواطنة كاملة إلا بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ منحه الجنسية. وقد حدد مجلس الدولة نطاق الحقوق التي تخضع لهذا القيد بأنها الحقوق التي تنص القوانين على اشتراط الجنسية المصرية لإمكان التمتع بها، مثل حق التمثيل النيابي وتولي الوظائف العامة المتصلة مباشرة بأسرار الدولة. (محكمة القضاء الإداري– جلسة 22/6/1959 ق 768 لسنة 12 ق).لا مزايدة على علماء مصروالواقع أن أغلب هذه الفئة من المواطنين الذين اكتسبوا جنسيات أخرى، ولم يتنازلوا عن جنسيتهم المصرية الأصيلة، لم ينقطعوا عن مصر طيلة عملهم في الخارج، وأغلبهم من صفوة العقول التي أنجبتها مصر، والذين تبوءوا مناصب رفيعة في الدول التي حصلوا على جنسياتها أو ساهموا مساهمة فعالة في تقدم هذه الدول في كل فروع العلم والمعرفة، ومنهم أصحاب أعمال واختراعات، وأصحاب مهن رفيعة ورسالات، وهم يملكون من الحصانة الذاتية والشجاعة الأدبية في الدول التي ساهموا في تقدمها وتنميتها ما لا يملكه بعض أصحاب الجنسية الواحدة، من حصانة تجاه المال السياسي، الذين يتلقى البعض منهم تمويله من الخارج وعلى رأس علماء مصر من مزدوجي الجنسية، الدكتور مجدي يعقوب الذي منحته ملكة بريطانيا لقب فارس عام 1966، وجائزة فخر بريطانيا عام 2007 بحضور رئيس الوزراء، تقديراً لجهوده في إجراء أكثر من 20 ألف عملية قلب في بريطانيا، كما تم منحه قلادة النيل في مصر في يناير 2011، وقد ساهم بعمل جمعية خيرية لمرضى القلب الأطفال في دول العالم النامية، إضافة لجمعية مجدي يعقوب لأمراض القلب في مصر، وقد أقام مستشفى في أسوان لإجراء عملياته الجراحية وبالمجان، وزودها بأحدث أجهزة القلب والجراحة في العالم، فهل يمكن لأحد أن يزايد عليه في وطنيته وانتمائه إلى مصر.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.