إن مسّنا فرح!

نشر في 08-01-2015
آخر تحديث 08-01-2015 | 00:01
 مسفر الدوسري هل يستحق دخول سنة أخرى جديدة أن نقرأ فاتحة الأمل؟!

هل طار طائر بشرى من ناصية السنة الجديدة يجعلنا ننسى ما خطته يد الخيبات على جدار الذاكرة طوال السنوات المنصرمة؟!

لماذا نتفاءل لمجرد رحيل سنة بنكهة الحنظل، وقدوم أخرى ربما تكون بنكهة «ملك المُرّ»؟! وما جدوى التفاؤل، هل سيخرجنا من هذا النفق المظلم الذي لم نعد متأكدين ما إذا كنا نسكنه منذ قرون، أم هو من يسكننا؟!

تلك هي بعض المزاليج التي يستخدمها حاملو الرايات السوداء لإقفال النوافذ الخضراء كلما تنفس فرح، وربما هم على حق..

ربما لن يخرجنا التفاؤل فعلاً من تركة الهم المتوارثة عبر الأجيال، تاريخ طويل من الهزائم الإنسانية حُفر بإزميل الأسى على ورق أرواحنا، قد يصعب على الفرح أن يمحوه بفرشاة الأمل، ولكن السؤال: هل سيفعل التشاؤم ذلك؟!

منذ قرون ونحن ننشئ قلوبنا على مخافة الفرح!

منذ قرون ونحن نقتنص أي رفّة جناح لطائر الفرح، ونأخذ أي بارقة أمل مخفورة لجلسات التحقيق والاستجواب لمعرفة من جنّدها لهذه المهمة مشبوهة النوايا!

مذ جئنا إلى هذه الحياة ونحن من أنصار «سوء الظن من حسن الفطن» و»أن الله لا يحب الفرحين»!

لا جديد في التشاؤم، فهو ذات حائط المبكى الذي لطالما لجأنا إليه كل تلك السنين كلما وهنت قلوبنا من وطأة الظلام، وهو ذات التعاويذ التي نقرؤها كلما مسّنا فرح، وهو ذات العربة التي لم نتزحزح منها طوال السنين حتى ألفنا مسارها الموحش، أما آن لنا أن نترجّل من هذه العربة؟!

لم يغيّر التشاؤم من واقعنا شيئاً، ولم ينقص منسوب الأسى في أرواحنا مقدار شعرة، بل على العكس تماماً، فقد أدى التشاؤم الموغل في أعماقنا إلى إنتاج ثقافة معادية للحياة، وأفرادٍ عاجزين عن التصالح حتى مع ذواتهم، أفرادٍ قادرين وهم بعمر الزهور على ارتداء حزام ناسف وتفجيره أمام مدرسة أطفال مثلاً، أو متنزه عام، أو مجمع تجاري!

 إن هذه الروح التشاؤمية ضيّقت الكون في أعيننا، فلم نعد نراه يتسع لسوانا، ولا يطاق العيش به مع من يختلف عنا، فتنامت شهية الإقصاء فينا، وتفاقم الإيمان بأن مسيرة التفاؤل في هذه الحياة تبدأ بخطوة أولى تتمثّل باجتثاث الآخر!

ليس هذا سوى نتيجة طبيعية لإشاعة الإحباط وإفشاء جو التشاؤم في أرواحنا!

 إن التفاؤل ربما لن يزيح إرثاً هائلاً من الإحباط والخيبات والأسى، ولكنه على الأقل لن يحوّلنا إلى أحزمة ناسفة قد تخطف عمر طفل يلعب على «مرجيحة»، ولن يجعلنا نخيط رقعة سوداء حول قلوب الآخرين وأنظارهم مدى العمر، ليعيشوا الحياة أمواتاً يتنقلون بين الناس في نعوشهم!

إن التفاؤل إن لم يجد نفعاً في تجميل حياتنا، فهو على الأقل لن يشوّهنا،

لنتعلم أن نوَطّن الأمل في نفوسنا بدل أن يتسوّل موطئ قدم فيها، ولنعتاد التفاؤل، فالفرح يُولَد من رحم الكثير من التفاؤل، مثلما يولد التشاؤم من كثير الأسى.

ولنفرح.. إن مسّنا فرح!

back to top