قنوات التواصل الاجتماعي الحديثة تلعب دوراً خطيراً وسلبياً في مجتمعات كمجتمعاتنا فيها السواد الأعظم من الأفراد يعشق دور القطيع ولا ينفك عن ممارسته، في ما مضى من الزمن كان لابد للراعي أو "الشاوي" أن يمشي خلف القطيع حاملاً عصاه معه ليهش على القطيع ويوجهه، أما في الوقت الحالي فإن قنوات التواصل الحديثة هي العصا البديلة للقطيع الجديد، ولم يعد "الشاوي" الجديد بحاجة لأن يلهث خلف القطيع تحت الشمس الملتهبة أو في البرد القارس ليضمن حسن سير القطيع وسلوكه، إذ يكفي أن يهش بعصاه التكنولوجية بينما هو في بيته تعِبُّ رئتاه من النسائم الباردة صيفاً، وينعم جسده بدفء اللحاف شتاءً، والقطيع يسير طائعاً مختاراً حسب رغبته وإرادته ويرعى من عشب أفكاره وكلأ نواياه، ليتكون بالتالي رأي عام ضاغط لقضية سياسية أو اجتماعية أو في أي مجال آخر، ولكن من خلال رؤية ذلك "الشاوي"!

Ad

هذه العصا التكنولوجية سهّلت مهمة "الشاوي" والقطيع معاً، بل إنها بلغت من الإغراء حداً يجعل من بعض أفراد القطيع يقومون بدور "الشاوي"! لينطبق على الحال المثل الشعبي القائل: "خبل ومسّكته عصا".

وهنا مكمن الخطورة والدور السلبي لهذه العصا التكنولوجية، والذي حول هذه الأداة العصرية إلى لعنة بغيضة، حيث استخدم البعض هذه العصا لتعزيز ثقافة الاستعداء والتحريض بين أفراد المجتمع وزيادة قوتها وفاعليتها، إذ يكفي مثلاً إنشاء وسمٍ (هاشتاغ) ضد فرد من أفراد المجتمع واستعداء باقي المجتمع ضده وتحريض الجهات الرسمية عليه، ليتكون خلال ساعات قليلة رأي عام من ذلك القطيع يتبنى قضية هذا الوسم وينافح دونها، ويقاتل لصالحها قتالاً مستميتاً.

 ولا شك أن الإقصائيين أكثر من استخدموا هذه العصا التكنولوجية وأحسنوا توظيفها ببراعة مخيفة وأحياناً ببشاعة مذهلة لتوجيه القطيع ضد خصومهم ومن يخالفهم الرأي أو الفكر، في محاولات لإسكات أصواتهم ومصادرة أفكارهم للحدّ الذي يصل أحياناً إلى تحطيمهم ليكونوا عبرة لغيرهم، والمؤسف أنهم كثيرا ما نجحوا في الوصول إلى مبتغاهم، وهم استمرأوا استخدام هذه العصا أكثر عندما نجحوا مرات عديدة في ابتزاز الدولة نفسها لترضخ لمشيئتهم في كثير من القضايا التي استهدفوا فيها فرداً من أفراد المجتمع، ليصبح هذا الفرد في نهاية المطاف عدواً في نظر قطيع كبير في المجتمع، يجعل الدولة مضطرة إلى التضحية بهذا الفرد إرضاءً لهذا الرأي العام، حتى وإن لم يكن رأيا عاماً مستنيراً، فيهلل ويحتفل "الشاوي" وقطيعه بهذا الانتصار وهذا المنجز العظيم الذي يستحق كرنفالاً إقصائيّا.

ويحدث أن يستخدم ذات الشاوي هذه العصا السحرية في ثقافة الاستعداء لاستعراض القوة وبالون اختبار لفرض إرادته على السلطة بهدف ابتزازها لنيل بعض المكاسب السياسية وفرض أجندته عليها.

المخيف فعلاً أن ثقافة التحريض والاستعداء التي بدأت تنتشر في المجتمع بواسطة قنوات التواصل، أصبحت تكرّس للعنف والإرهاب الفكري والنفسي بين أفراده، مما يخلق بيئة حاضنة وخصبة لكل أنواع التطرف وما يصاحبه من سلوكيات تهدد السلم الاجتماعي وأمنه، فإن لم نحاصر هذه الثقافة عاجلاً فإن الذئب قادم حتماً، ولن يكتفي بالشاوي والقطيع بل سيلتهم الجميع!