المدارات الذهبية للسعادة الدائمة (2-2)

نشر في 16-11-2014
آخر تحديث 16-11-2014 | 00:01
احرص على النظر إلى الجانب الآخر من أي مشكلة، واستعن بالله، واستشر واستخر، وستشرق شمس الحلول أمام ناظريك، والنصيحة هنا ألا تُحاول أن تغرق نفسك في كلّ شاردة وواردة، بل اسمح للأشياء الصغيرة أن تمرّ بسلام ودون ضجيج، فالتغافل كما قيل من سمة الكرام.
 د. ساجد العبدلي أكمل معكم ما بدأته في المقال السابق من حديث حول مدارات السعادة الدائمة، وقد كنت طرحت ثلاثة مدارات، وسأكمل بالرابعة في هذا المقال.

رابعاً، اجعل من نفسك فعل حب متواصل للآخرين وللحياة بأسرها. حبّ الآخرين ليس خياراً يمكنك أن تتردد فيه، فمن يستغرق في الحسد والشحناء والبغضاء طوال عمره ينتهي إلى أن يبغض نفسه وهو لا يدري، ومن يبغض الحياة بإعراضه عن مباهجها المباحة فستصبح على سعتها ضيقة حرجة في عينيه، ولن يرى السعة والنور ولن يعرفهما أبداً. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤمن أحدكم حتى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه"... قاعدة سامية تلقاها النبي عن ربه تدعونا إلى الإقبال على الحبّ من أوسع أبوابه حتى نظفر بالإيمان الحقيقي والسعادة.

خامساً، تعلَّم فن الاتصال بالآخرين وأتقنْه ومارسه. لا يمكن للمرء أن يكون سعيداً وهو حابس لنفسه خلف الشاشات ووراء الأبواب في اعتزال طوال الوقت، يقول الرسول الكريم": "المؤمنُ الَّذي يخالطُ النَّاسَ ويصبرُ علَى أذاهم خيرٌ منَ المؤمنِ الَّذي لا يخالطُهم ولا يصبرُ علَى أذاهم". عليك يا طالب السعادة أن تخالط الناس بخلق حسن ولسان طيب، وأن تصبر على ما قد يبدر منهم من أذى، وأن تغفر لهم زلاتهم حتى تكسب قلوبهم وتستحوذ على مقاليد نفوسهم ليعلو حينئذٍ ذكرك بينهم فتفوز بالسعادة.

سادساً، قدم المعروف والعون للآخرين مادمت عليه قادراً، وكلنا قادر على فعل الخير بشكل من الأشكال، وبقدر من الأقدار. إن العطاء يجلب السرور للمعطي قبل المتلقي، وعندما يقيل المرء عثرة أخيه الإنسان أو يعين أحداً على رفع نوائب الدهر أو يسد دين مكروب أو يمد يد المساعدة إلى فقيرٍ أو محتاج، فإنه في الحقيقة يشتري السعادة في الدنيا ويودع في رصيد حسناته في الآخرة. اجعل لنفسك ورداً دائماً لا ينقطع من المعروف وعمل الخير تجاه الآخرين، واجعله إن استطعت خبئاً بينك وبين علام الغيوب.

سابعاً، انظر إلى الجانب الإيجابي في كل أمورك وكن من الشاكرين الصابرين الحامدين دوماً، حتى تكون من المشمولين بحديث الرسول الكريم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". ارتدِ نظارة التفاؤل القائم على الموضوعية والحسابات الصحيحة، وابحث دائماً عن الضوء في نهاية النفق، وتذكرْ كم من مشكلة مرت عليك فخرجت منها بفضل الله وكنت تحسبها من شدة اليأس باباً لم يخلق بمفتاح، كما قال الشاعر زين بن بيه. احرص على النظر إلى الجانب الآخر من أي مشكلة، واستعن بالله، واستشر واستخر، وستشرق شمس الحلول أمام ناظريك. النصيحة هنا هي ألا تُحاول أن تغرق نفسك في كلّ شاردة وواردة، بل اسمح للأشياء الصغيرة أن تمرّ بسلام ودون ضجيج، والتغافل كما قيل من سمة الكرام.

ثامناً، كن من الراضين بما قسمه الله لهم. نعم، عليك بالسعي والجد والاجتهاد كي تفوز بنصيبك من خيرات الله في الدنيا، كما قد يكون فاز بمثلها غيرك، ولكنّ عليك أن تتذكر دائماً أن كل شيء عند الله بمقدار ولحكمة، فإن أعطاك كثيراً فقد أعطاك لحكمة، وإن حرمك شيئاً فقد حرمك لحكمة، وأنه أعلم بحالك ومآلك، وتذكر دائماً وأبداً أن الرضا والقناعة رأسمال لا ينفد.

هذه كانت خلاصة تأملاتي في مدارات السعادة، وأرجو لها أن تجد القبول وأن تضيء شيئاً من النور، فإن وفقت إلى ذلك فالحمد لله.

back to top