المعارضة ليست صك ملكية مسجلاً باسم أحمد السعدون أو مسلم البراك، وهما أبرز شخصيتين فيها، وطبعاً ليست المعارضة بضاعة في جيب «حدس» أو «حشد» أو «حدم» أو التيار التقدمي أو المنبر الديمقراطي أو غير هؤلاء، وهم كثيرون - ولا أتذكر رموزهم وأسماءهم - من الذين يختلفون مع منهج الحكم في إدارة الدولة، ولا يسيرون في ركاب السلطة حين تفردت بالحكم. المعارضة، في الكويت، جزء أصيل في تكوين الدولة، كان لها ظهورها الثابث في مجلس 38، ومطالباته الإصلاحية في ذلك الوقت، وبعد الاستقلال تم تقنين وجودها عبر الدستور والمبادئ التي قام عليها وبداية العمل نحو خلق دولة المؤسسات، لكن مشوار التقنين هذا لم يكتمل، فمنعت السلطة - على خلاف المضمون الدستوري - تشكيل الأحزاب، وأجهضت كل محاولات التقدم للسير نحو اكتمال مؤسسات الدولة حتى تكون دولة قانون وليست دولة أشخاص، وذلك حين دأبت السلطة على حل المجالس النيابية عدة مرات، والتلاعب في التركيبة السكانية، ثم الدوائر الانتخابية، وتلميع جماعاتها وتمكينهم من الهيمنة على جل إدارات الدولة، وكانوا مضرب المثل في استغلال الوظيفة العامة وتكديس «ملايين الفساد» على حساب اقتصاد الدولة ومستقبلها.
وفي الوقت الذي كان يفترض أن تعمل السلطة على خلق «دولة المؤسسات القانونية» نجدها بالأمس واليوم وحتى الغد المجهول، تعمل على تقويض مؤسسات الدولة ومبدأ الفصل بين السلطات، عبر سياسة استتباع هذه المؤسسات للسلطة التنفيذية، والتي هي مظهرة بكاملها لأسرة الحكم. حين يتحدث بعضنا عن أن المعارضة انتهت، فهذا الكلام ينافي المنطق، فالمعارضة قد يخبو صوتها بعضاً من الوقت بسبب سياسات الداخل القمعية التي تمارسها السلطة عبر هراوات القوات الخاصة إلى سحب جناسي المواطنة، أو بسبب الوضع الإقليمي العربي وتراجع وانحسار موجة التغيير لمصلحة قوى المحافظة الحاكمة ومافيات الدولة العميقة، إلا أن المعارضة تظل موجودة بألوان مختلفة تضعف أضواؤها أحياناً وتتوهج في أحايين أخرى.البعض ينتقد المعارضة - وهذا أمر واجب - متى كان هذا النقد من أجل تقويم مسارها، لا من أجل الاصطفاف مع الجماعات الانتهازية ومداهنة السلطة العامة، وهي التي تمتلك مقادير الدولة الاقتصادية دون منازع. وتظل هناك عيوب وأخطاء كبيرة وقعت فيها مجموعات عريضة من المعارضة تمثلث في انعكاس أمراض السلطة عليها مثل علل الواسطة والمحسوبية، أو ميل بعضها إلى جماعاتها القبلية والمؤيدة لها، وصمتها عن بعض جرائم الفساد متى كان المتهمون فيها محسوبين على هذه القبيلة أو تلك «الشلة»، أو حين تقوم فئات من المعارضة باحتكار أجهزة وإدارات في الدولة بكاملها لرفاقها، وتم هذا في زمن مضى تحالفت فئات من المعارضة مع السلطة، وظهرت لها الأخيرة في عدة إدارات ومؤسسات كاملة، أيضاً كانت لهذه المعارضة أخطاؤها الفاحشة حين وقفت ضد حقوق المرأة وضد حريات الضمير وأهمها حق التعبير، وحاولت حين كانت «تشارك» جزئياً في المجلس تشريع قوانين «دراكونية» ضد حرية العقيدة، وسكتت، في المقابل، عن طرح تعديلات مشروعات قوانين مقابلة تغلق أبواب استفراد السلطة في مسائل خطيرة مثل الجنسية.... لكن يبقى في النهاية الإقرار بأنه لا يمكن تخيل الدولة الكويتية من دون معارضة، وعلى السلطة أن تقتنع بأن قوة الدولة - وهي دولة صغيرة - تكمن في دستورها وتوفير هامش للحرية، فليس لدى هذه الدولة جيوش جرارة ولا تحالفات دولية فعالة تحافظ بها على حدودها وسيادتها، هي لا تملك غير هذا الدستور وهذا الهامش البسيط من الحرية... فلماذا يتم قضمه شيئاً فشيئاً؟ انتبهوا!
أخر كلام
قوة الدولة بالمعارضة
10-03-2015