قُتِلَ تسعة أشخاص بينهم خمسة أجانب الثلاثاء في هجوم استمر عدة ساعات في أحد فنادق طرابلس شنه مسلحون فجروا أنفسهم بعد محاصرتهم، في مؤشر جديد على الفوضى الأمنية المستشرية في ليبيا.

Ad

واستهدف الهجوم المسلح الذي تبناه الفرع الليبي لتنظيم الدولة الإسلامية الجهادي وفقاً للمركز الأميركي لمراقبة المواقع الإسلامية "سايت" فندق كورنثيا الفخم وسط العاصمة طرابلس.

وقال المتحدث الأمني عصام النعاس لفرانس برس أن "خمسة أجانب قتلوا في الهجوم هم أميركي وفرنسي وكوري جنوبي إضافة إلى إمرأتين من الفلبين" قتلوا بالرصاص.

وكشف مصدر أمني أن "الأميركي القتيل يعمل لصالح شركة (إيه. بي. آر. إينرجي) البريطانية المعروفة بتوريد محطات الكهرباء المتنقلة".

وأضاف أن "الفرنسي قائد طائرة يعمل في شركة طيران جورجية تستأجرها شركات طيران محلية خاصة، ومساعده القتيل الآخر يحمل جنسية كوريا الجنوبية".

وتابع أن "الفلبينيتين تعملان مضيفتان جويتان في الشركة"، لكنه لم يذكر أسماء القتلى الأربعة الآخرين.

وفي واشنطن، أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية مقتل أميركي في الهجوم، وقال دون مزيد من التفاصيل "بإمكاني أن اؤكد مقتل مواطن أميركي في ليبيا".

وكانت المتحدثة باسم الخارجية نددت بـ "الهجوم الإرهابي" موضحة بأن "العنف لا يحل المشكلة في ليبيا".

وفي باريس، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية مقتل أحد مواطنيها ونددت بالهجوم مشيرة إلى "ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا العمل البغيض".

كما أدانت وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني الهجوم منددة في بيان بـ "عمل إرهابي مستهجن يشكل ضربة لجهود استعادة السلام والاستقرار في البلاد"، مشيرة إلى الجولة الثانية للحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة في جنيف.

ونشر التنظيم الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم صورة لمن وصفه بأنه أول المهاجمين لفندق كورنثيا.

وندد مجلس الأمن الدولي في بيان بالإجماع "بشدة الهجوم الإرهابي" وقدموا تعازيهم لعائلات الضحايا الذين سقطوا في هذا "العمل الشنيع".

وبث خبر الهجوم عبر الإنترنت مصحوباً بصورة لشاب يبدو في العشرينات من عمره، وصفه بأنه "الانغماسي الأول في فندق كورثنيا في طرابلس أبو إبراهيم التونسي".

وفي وقت لاحق، نشر التنظيم صورة لشخص آخر يقف خلف الهجوم وقال إن اسمه "أبو سليمان السوداني".

وأظهرت كاميرات مراقبة الفندق صورة "التونسي والسوداني" لحظة اقتحامهما الفندق قبل انتحارهما بأحزمة ناسفة بعد تضييق قوات الأمن الخناق عليهم.

وتخضع طرابلس لسيطرة "فجر ليبيا"، وهو تحالف قوي للميليشيات بعضها إسلامي، وقد اقام حكومة موازية في العاصمة بعد طرد الحكومة المعترف بها دولياً في أغسطس الماضي.

وبدأ الهجوم صباحاً على الفندق الذي يستضيف دبلوماسيين ومسؤولين ليبيين وأجانب، بانفجار سيارة مفخخة في باحته التي تستخدم موقفاً للسيارت.

وبعد برهة، دخل ثلاثة مسلحين الفندق وبدأت قوات الأمن الموالية لميليشيات فجر ليبيا محاصرة المكان.

وانتهى الهجوم منتصف النهار بمقتل المهاجمين الثلاثة الذين فجروا أنفسهم بعد تضييق الخناق عليهم في الطابق 24 من الفندق، وفقاً لعصام النعاس المتحدث باسم غرفة العمليات الأمنية المشتركة في طرابلس.

وقال النعاس إن "أربعة من قوات الأمن وحرس الفندق قتلوا، إضافة إلى المسلحين الثلاثة الذين فجروا أنفسهم داخله".

ووفقاً لمصدر أمني، فإن الطابق 24 من الفندق محجوز عادة للبعثة الدبلوماسية القطرية، لكن لم يكن هناك أحد لحظة وقوع الهجوم.

وأضاف أن "القيادي في الحكومة التي نصبت نفسها في طرابلس، عمر حاسي، كان داخل الفندق وقت الهجوم، لكن تم إجلاؤه بأمان".

من جهتها، أعلنت الحكومة غير المعترف بها دولياً إن "منفذي الهجوم أرادوا قتل رئيس الوزراء"، متهمة "أعداء الثورة ومجرم الحرب خليفة حفتر ومن وراءه من أطراف خارجية" بالوقوف وراء العملية.

واللواء خليفة حفتر المثير للجدل أطلق منذ مايو الماضي عملية "الكرامة" لإستعادة السيطرة على مدينة بنغازي "شرق" ثاني أكبر المدن الليبية، بعد وقوعها في أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة.

ومنعت قوات الأمن الصحافيين من الدخول إلى الفندق بعد الهجوم، فيما عمل خبراء المتفجرات على التحقق من عدم وجود عبوات ناسفة تركها الانتحاريون.

وأطلق الفرع الليبي لتنظيم "الدولة الإسلامية" على الهجوم تسمية "أبو أنس الليبي" القيادي في القاعدة الذي توفي نهاية الشهر الماضي في السجون الأميركية بعد القبض عليه في ليبيا، وفقاُ لمركز "سايت".

يُذكر أن التنظيم كان تبنى فعلياً عدة هجمات سابقة في ليبيا.

لكن الإسلامي محمد عمر بعيو المتحدث باسم حكومة الحاسي قال خلال مؤتمر صحافي إن "تبني تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم نُشر عبر مواقع مصرية قبل تنفيذ العملية بساعات".

وعادة ما تتهم هذه الحكومة السلطات المصرية بدعم السلطات الليبية المعترف بها من الأسرة الدولية، كما انها تعتبرها مؤيدة لما تصفه بـ "انقلاب" اللواء حفتر.

من جهته، قال عبدالله نزيه الرقيعي نجل نزيه الرقيعي المكنى "أبو أنس الليبي"، عبر حسابه الشخصي على فيسبوك "اني وعائلتي أبرياء مما يفعل الظالمون، وإن هذا الفعل لا يفعله إلا مفسد مخرب، كل من خرب ونسب هذا التخريب لوالدي أسال الله أن يخرس لسانه ويشل أركانه وأن يفضحه أمام الملأ وأمام الناس أجمع".

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي بعد ثمانية أشهر من ثورة 17 فبراير 2011، فشلت السلطات الانتقالية في فرض سلطتها على ميليشيات عديدة من الثوار السابقين.

ولجأ البرلمان المعترف به دولياً والحكومة المنبثقة عنه إلى شرق البلاد، بعد سيطرة "فجر ليبيا" على طرابلس في أغسطس الماضي، فيما يستمر القتال بين الميليشيات المتناحرة الموالية والمناهضة للحكومة في صراعها الدموي للسيطرة على الثروة النفطية.

ودعا هذا البرلمان في وقت متأخر ليل الثلاثاء المجتمع الدولي ضم بلاده إلى التحالف الدولي لمكافحة جرائم الإرهاب، مطالباً رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي وتوفير الدعم الكامل له.

وطالب البرلمان في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه جميع الدول الصديقة والشقيقة لليبيا إدانة هذا العمل الإرهابي الذي راح ضحيته تسعة أشخاص بينهم خمسة أجانب.

وفيما أكد إدانته الهجوم، اعتبر البرلمان أن "هذه العملية الإرهابية التي طالت مدينة طرابلس تأتي في إطار سعي ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، إلى أن يكون له موضع قدم في المدينة".

وأوضح أن أسلوب هذا التنظيم سيكون من خلال عمليات متتالية، تطال كل المرافق الحيوية في المدينة، وكذلك سفارات الدول الصديقة، لافتا إلى أن استهداف فندق "كورنثيا" دليل واضح على أن هذا التنظيم الإرهابي بات يتحرك بشكل واضح في العاصمة".

ودعا البرلمان في بيانه "الليبيين كافة إلى التكاتف والتماسك والوقوف صفاً واحداً منيعاً ضد الإرهاب"، مشيرا إلى أنه يدعم مساعي بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا ولجنة الحوار الممثلة للمجلس، من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، والمحافظة على المسار الديمقراطي.

كما أعلنت الحكومة الليبية المعترف بها دولياً في بيان إنها "تدين هذا العمل الإرهابي الغادر الذي تبنته الجماعات التكفيرية المتطرفة وغيره من الأعمال المماثلة والتي حذرت الحكومة مراراً وتكراراً من إمكانية وقوعها".

وأعتبرت أن "استمرار وقوع العاصمة تحت قبضة مجموعات أبدت في العديد من المناسبات دعمها لمنظمات مدرجة عالمياً على قائمة الإرهاب وكانت حاضنة سياسية لها هو الذي أوصل البلاد إلى ما تشهده الآن من انفلات أمني خطير".

وخلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، قُتِلَ نحو 22 شخصاً فيما جرح 68 آخرين وفقاً لمصادر أمنية وطبية.

والإثنين، أطلقت ميليشيات فجر ليبيا ثلاثة صواريخ على خزانات النفط في مرفأ السدرة في منطقة "الهلال النفطي"، الواقع على خط التماس بين أطراف النزاع.