أوروبا... ما دخل «الشنغن»؟!
الأوروبيون على أثر حوادث باريس الإرهابية بدأوا يتخبطون يميناً وشمالاً، ويطالبون بتعديل اتفاقية "شنغن" الخاصة بالحدود بين دول الاتحاد الأوروبي، والخاصة أيضاً بمنح سمات الدخول "الفيزا" للأجانب، وإجبار شركات الطيران كافة على تزويد السلطات الأمنية الأوروبية بقوائم أسماء ركابها، وهي إجراءات شكلية وردود فعل لا تتناسب مع واقع الحدث وتفاصيله.فمن قام بهذه الأعمال الإجرامية في فرنسا هم أربعة أشخاص فرنسيين وُلِدوا في فرنسا، وقاموا بتلك الأعمال الإرهابية على أراضيها، ولم يعبروا أي حدود أوروبية للقيام بتلك العمليات، كما أن عملية تزويد شركات الطيران بقوائم المسافرين ليست مجدية، فهناك وسائل مختلفة كثيرة للسفر يمكن أن يستخدمها المتطرفون الأوروبيون عن طريق البحر والبر، من خلال الطرق البرية من دول شرق أوروبا إلى تركيا، وبحراً بين أوروبا ودول المغرب العربي، ومن ثم الانتقال إلى مواقع الصراع في الشام واليمن وليبيا، كما أن هناك دولاً تسمح بتدابير استثنائية لمواطنين أجانب لدخول أراضيها دون ختم جوازاتهم، وهذا ما يُتداوَل عن دخول الكثير من الشباب الخليجيين والعرب إلى إيران واليمن، دون ختم جوازاتهم.
لذا فإنني أعتقد أن إشارة الأوروبيين إلى اتفاقية "شنغن" بين الفينة والأخرى هي عملية تهديد موجهة إلى العرب والمسلمين تحديداً، سواء كانوا يحملون الجنسيات الأوروبية أو أي جنسية أخرى، مفادها أنكم ستتعرضون لإجراءات استثنائية على حدود أوروبا، ربما تتم على خلفية المعتقد الديني أو "السحنة" أو الانتماء إلى أي دولة إسلامية، وهو ما تفعله الولايات المتحدة حالياً في مطاراتها فعلياً وتنفيه لفظياً، لكن على الأوروبيين أن يفهموا أن وضعهم مختلف عن الولايات المتحدة جغرافياً، إذ تفصلها المحيطات عن مناطق التوتر، وكذلك ديموغرافياً، حيث إن الجالية الإسلامية فيها قليلة العدد وحديثة العهد.أما أوروبا فإن وضعها مختلف بما يتعلق بالموقع والديموغرافيا، لذا فإن أي ممارسات تمييزية من هذا النوع ستؤدي إلى نتائج وخيمة وتفاقم المشكلة، كما أن الحديث عن إسقاط الجنسية عن الشباب الأوروبي المسلم المضلل سيعطي نفس النتائج السلبية، لذا فإن أوروبا مطالبة بأن تبتعد عن المقاربات الأميركية لمشاكل الإرهاب التي جعلتها تتفاقم وتكبر منذ سبتمبر 2001. وبدلاً من أن تتبع أوروبا خطى واشنطن، عليها أن تجد حلولها الذاتية بالعمل السياسي المستقل عن المشروع الأميركي - الإسرائيلي - البريطاني، بتحويل سورية والعراق إلى أرض الاقتتال الطائفي الإسلامي، وتجاهل ما يفعله تحالف طهران - بغداد - دمشق والضاحية الجنوبية اللبنانية، بزيادة نار هذه الحرب، بينما العالم يتفرج على تلك المأساة الإنسانية غير المسبوقة للشعب السوري.ولا شك في أن تلك البؤرة المشتعلة التي تحرق أغلبية السوريين، وعمليات التطهير العرقي في سورية وغرب العراق، ستعطل جهود محاربة الإرهاب، وستتطاير نيرانها المشتعلة على الجميع إن لم يتصد لها العالم، وستخلق أيضاً العشرات ممن هم على شاكلة الأخوين كواشي والثنائي كوليبالي - بومدين في قلب أوروبا، وعندما تكون للعالم مصداقية حقيقية بمنع نظام مجنون من قصف شعبه بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة، ومنع جرائم إسرائيل في الأراضي المحتلة، وكف أيادي طهران عن العبث بالعالم العربي، وكذلك الدمج الحقيقي للجاليات المسلمة في أوروبا دون تمييز وإقصاء، سنتمكن بواسطة كل ذلك، مسلمين وأوروبيين، مع العالم أجمع، من محاصرة الفكر الأصولي الإسلامي المتطرف، والقضاء عليه، وليس بالتهديد بإجراءات استثنائية تستهدف هجرة وتنقل العرب والمسلمين.***في الأشهر الستة الأخيرة بقيت لفترات طويلة في أوروبا، فلم أشهد في أي نشرات إخبارية رئيسية أوروبية تابعتها خبراً أو صوراً عن مأساة الشعب السوري أو البراميل المتفجرة التي تسقط عليهم أو قصف نظام الأسد لهم بالطيران الحربي، أو صور وفاة طفل سوري بسبب الصقيع، فكل الأخبار التي تبث عن سورية تتعلق فقط بـ"داعش" أو المهاجرين السوريين الذين يحاولون عبور البحر إلى أوروبا... أليس هذا غريباً خاصة إذا عرفنا من لهم اليد الطولى في الإعلام الغربي؟!