ما قل ودل: نفحات من دستور الكويت في عيدها الوطني

نشر في 18-01-2015
آخر تحديث 18-01-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام الأصالة... في أصالة

تهنئة للشعب الكويتي وللأمتين العربية والإسلامية بحلول العيد الوطني للكويت، ذات العطاء الدائم لهذه الأمة، وتمنياتي الخالصة لشعب الكويت بأن تكون كل أيامه أعياداً، ومع كل تقدير لماجدة الرومي وغنائها الشجي في أول احتفالات هذا العيد، وللفنان الكبير نبيل شعيب والفنانة الإماراتية شما حمدان، فقد ختمت الفنانة أصالة نصري الحفل الثاني من هلا فبراير بباقة من الأغاني، وعبرت بصدق عن وجعها وصرختها وعنفوانها وصلابتها، وهي من الأوصاف التي وصفها بها الإعلامي نيشان، الذي قدمها لجمهورها، عندما تبرعت بدخلها من هذا الحفل للاجئين السوريين، فأثبتت بذلك أصالتها عندما لم تنس في أوج تألقها وهي تطل على جمهورها أن ملايين من أشقائها وأشقائنا في الشام يعانون أشد المعاناة وأشق صنوف الحرمان من غطاء ومأكل وملبس، فكانت هذه اللفتة الكريمة منها. تحية لها ولشعب سورية الشقيق.

وفي سياق هذه المناسبة الوطنية، لم أجد ما أكتبه سوى نفحات من دستور الكويت الذي أسس لهذه الدولة الفتية دولة القانون وحقوق الإنسان.

الكويت دولــة القانون

يستمد مبدأ سيادة القانون في دولة الكويت من نصوص الدستور، بدءاً بالمادة (6) التي نصت على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في الدستور".

ومن المادة (50) التي تقيم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا للدستور.

ومن المادتين 72و73 اللتين ألزمتا السلطة التنفيذية باحترام أحكام القوانين وعدم الخروج عليها في كل ما تصدره من لوائح تنفيذية أو لوائح الضبط أو اللوائح اللازمة لترتيب المصالح والإدارات العامة، ولو كانت صادرة بمراسيم وافق عليها مجلس الوزراء وصدق عليها الأمير وأصدرها.

وبذلك ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات، وهو جوهر النظام الديمقراطي، بمبدأ تدرج القواعد القانونية، الذي هو جوهر مبدأ سيادة القانون، الذي نادى به الفقيه النمساوي أهرنج منذ زمن طويل، فجسده دستور الكويت في هذه النصوص.

فالدولة القانونية تخضع لقواعد قانونية هي بدورها يخضع بعضها لبعص، وأن القانون الملزم للدولة القانونية يوجد تدرجاً بين القواعد القانونية، بمعنى أنه يجب أن تكون كل واحدة من هذه القواعد الملزمة للدولة خاضعة للحدود التي ترسمها لها القواعد التي تسمو عليها، فتخضع اللائحة للقانون ويخضع كلاهما للدستور، فبغير ذلك كله تسقط عن الدولة صفتها القانونية Legalite وتتصف بالاستبداد، سواء في ذلك أن تكون الحكومة فردية أو أرستقراطية أو ديمقراطية، بل إن أشد أنواع الاستبداد هو ذلك الذي يلبس ثوباً ديمقراطياً، لذلك يجب أن يفرض احترام القواعد القانونية والتزام جميع السلطات به ومنها السلطة التشريعية، وأن يكون القضاء حارساً لذلك الاحترام ضامناً لهذا الالتزام، ولا يكون ذلك إلا بتقرير حقه في مراقبة دستورية القوانين ومشروعية اللوائح على حد سواء.

ومن هنا فإن التزام كل سلطات الدولة بأحكام الدستور هو أمر واجب عليها، بل هو واجب مضاعف الأثقال، لأنها تضرب المثل للناس جميعا بهذا الالتزام لتكون قدوة لهم في احترام قوانين البلاد، فالماء لا يسيل إلا من علٍ.

حقوق الإنسان

وقد كان الإنسان هو الشغل الشاغل لأعضاء المجلس التأسيسي، وهم يبنون دولتهم، دولة القانون والحرية والعدل والمساواة، وهي الدعامات الثلاث للمجتمع، حسبما نصت عليه المادة (7) من الدستور.

فكفل الدستور المساواة للناس جميعا في الحقوق والواجبات العامة (م8).

وكفل الحرية الشخصية لكل إنسان، مواطنا كان أو مقيما (م33)، وأطلق حرية الاعتقاد (م35)، ونص على أن "لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره (م36)، وحق الاجتماع وحق تكوين الجمعيات والنقابات (م43 و44)".

وعندما أراد أحد أعضاء المجلس التأسيسي قصر حق تكوين الجمعيات والنقابات على المواطنين وحدهم، تصدى له باقي أعضاء المجلس، وأقروا بهذه الحرية للجميع، وكان هناك– في هذه الفترة– جمعيات وأندية لغير الكويتيين، مثل نادي الحبارى ونادي الأطباء.

وجعل الدستور لمسكن الإنسان حرمة (م38) وصان الملكية الخاصة لكل إنسان (م18).

وكفل الدستور حق التقاضي للناس كافة في المادة (166)، لأن القضاء هو الحارس الأمين على هذه الحقوق والحريات.

حقوق عصية على التنقيح

والبين من استعراض نصوص الدستور أن الرعيل الأول الذي أسس الدعائم التي أقام عليها الدولة، كان إيمانهم بهذه الحقوق والحريات المكفولة للناس جميعاً، قد بلغ مرتبة اليقين والقداسة، في نص يعتبر الأكثر إبداعاً في هذا الدستور، هو ما ورد في المادة 175 من أن الأحكام الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور، لا يجوز اقتراح تنقيحها إلا لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة، فحظروا بذلك على كل الأجيال التي تليهم اقتراح تنقيح هذه المبادئ.

وهو النص الذي طالبت به، لتضمينه نصوص الدستور المصري، في مقال نشر لي على صفحة كاملة من صفحات جريدة الأخبار المصرية في عددها الصادر في 22 فبراير سنة 2011، درءاً لأي عدوان قد يقع على هذه المبادئ، كما حدث في تنقيح دستور 1971 في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، عام 2007، وهو أخطر تعديل دستوري، حيث أباح هذا التعديل لقانون يصدر لمكافحة الإرهاب أن ينتهك كل الحرمات التي صانها الدستور، وأكد حمايتها من أي قانون تقره السلطة التشريعية، تتوغل به على هذا المبادئ فتهدرها، وهي المبادئ التي تناولتها في مقال لي نشر على هذه الصفحة أيضا في عدد الجريدة الصادر فى 3 يوليو 2011 تحت عنوان "ولكنها عصية على التنقيح فى دستور الكويت".

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top