هذا ما تريده إيران!
يجب ألا يكون مستهجناً ولا مستغرباً أن ينتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني رفض الولايات المتحدة إرسال قوات برية إلى العراق للتصدي إلى "داعش"، وأن يتساءل: "هل يخشى الأميركيون من أن يُقتل جنودهم في المعركة التي يؤكدون خوضها ضد الإرهاب؟" فإيران التي ساهمت خلال 8 أعوام من الاحتلال بإغراق القوات الأميركية في أوحال بلاد النهرين عندما يقول رئيسها هذا القول، فإنه يريد أن تغرق جيوش أميركا مرة أخرى في هذه الأوحال، وأن يبقى العراقيون كلهم تحت الوصاية الإيرانية.
والمفترض أن روحاني الذي أدلى بهذه التصريحات، التي قد تكون مستهجنة من البعض ومستغربة، يرفض عودة الاحتلال الأميركي إلى العراق، ويساعد في القضاء على "داعش" بالغارات الجوية، لو أن هدفه ليس إغراق الأميركيين مرة أخرى في الأوحال العراقية، من أجل أن تبقى لإيران اليد الطولى في هذا البلد، ومن أجل تبرير التدخل الإيراني العسكري والسياسي والاستخباري في الشؤون الداخلية لبلاد الرافدين!ولعله معروف أن إيران ومعها سورية نظام بشار الأسد، قد لجأت إلى الاستعانة بالإرهاب وبـ"القاعدة" تحديداً لإشغال الأميركيين بالأوضاع الأمنية في العراق، لمنعهم من الانتقال - بعد ضبط الأمور في بلاد الرافدين - إلى بعض الدول المجاورة التي تعتبرها الولايات المتحدة دولاً مناكفة، والمفترض أن المعنيين بهذه المسألة يذكرون كيف أن رئيس الوزراء العراقي (السابق) نوري المالكي عندما لم يعد يحتمل - بعد استهداف وزارة الخارجية العراقية وبعض المنشآت "الاستراتيجية" الأخرى من قِبل مجموعة إرهابية مرسلة من دمشق - تدخّل النظام السوري في شؤون بلاده، فتقدم بشكوى بهذا الخصوص إلى الأمم المتحدة. وهنا فإنه غير صحيح أن طهران رفضت عرضاً أميركياً للمشاركة في الحرب على "داعش"، والصحيح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما على لسانه ولسان وزير خارجيته جون كيري قد رفض "استجداء"، نعم استجداء إيرانياً وسورياً للاشتراك في هذه الحرب، ليس من أجل القضاء على الدولة الإسلامية في العراق والشام، وإنما من أجل "التسلل" عبر هذا الحلف، الذي يضم 40 دولة بزعامة الولايات المتحدة، لضرب المعارضة السورية، المعتدلة والوطنية، والقضاء عليها بحجة ضرب الإرهاب والقضاء عليه.لقد كان نظام بشار الأسد، الذي أعلن وظل يعلن أنه يواجه إرهاباً دولياً وليس ثورة شعبية، السَّباق إلى استجداء الانضمام إلى حرب مواجهة "داعش"، فوزير خارجية هذا النظام وليد المعلم سارع إلى عقد مؤتمر صحافي أبدى فيه استعداد "نظامه" للانضمام إلى هذا التحالف الجديد.. وبأيِّ ثمن، وهذا ما فعلته المستشارة بثينة شعبان التي لم تسعفها خبرة "نظامها" بالألاعيب والمناورات السياسية، فهددت بإسقاط الطائرات الأميركية التي تدخل أجواء سورية من دون إذنٍ مسبق... فكان رد أوباما العاجل والحاسم الذي جعل المسؤولين السوريين يصمتون صمت أهل القبور!وبالطبع، ولأن إيران تعرف أن نظام الأسد سيسقط حتى قبل أن يتم القضاء على "داعش" العراقي و"داعش" السوري، فإنها ستبادر إلى هجوم معاكس، بيدو أنها قد بادرت إليه فعلاً، عنوانه رفض أي عمل عسكري يقوم به هذا التحالف على الأراضي العراقية من دون طلب من الحكومة الجديدة. ولذلك فإن طهران ستستمر في عرقلة استكمال حكومة حيدر العبادي، حتى لا تتم الموافقة على مثل هذا الطلب، وحتى يبقى الوضع العراقي بيد إيران، لتواصل اللَّعب بأمن بلاد الرافدين، والتدخل في شؤون هذه المنطقة، وربما أيضاً للإبقاء على هذا الـ"داعش" كأداة للابتزاز، والاستمرار في مواجهة المعارضة السورية الحقيقية.