يبدأ الكتاب من أول الرحلة إلى مكة ويقول هوفمان: {بعدما سلمنا أمتعتنا المتواضعة لكي يتم شحنها إلى جدة، بعد انتظار طال في طابور بمطار الدار البيضاء، فوجئنا بموظف الخطوط الملكية المغربية يخبرنا أن علينا أن نختار بين العودة إلى الرباط، بما يعنيه ذلك من أنه يتعين علينا أن نقطع مسافة 125 كيلومتراً، أو أن نمضي وقتنا في الدار البيضاء}.

Ad

يبدي المؤلف دهشته من عدم انزعاج ركاب الطائرة جراء هذا التأخير والتعطيل الناتجين عن سوء تخطيط، فمرت هذه الأزمة على الذاهبين لأداء فريضة الحج من دون مشاكل أو مشادات، مرجعاً ذلك إلى التزامهم  بآداب تلك الفريضة، ويقول:{القرآن الكريم يعلمهم قوله تعالى:{الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} (سورة البقرة ــ 197)، ومعنى ذلك أن على الحاج التحلي بالصبر وتفادي الدخول في خلاف أو حتى الشروع فيه، ولهذا بقيت الأمور في إطار من السلوك المتحضر، فلا يجوز للحاج أن يجرح شخصاً أو شيئاً أو يقتلع نباتاً أو يقتل حتى بعوضة.

بعد اكتمال رحلة الطيران وهبوط الطائرة بالمملكة العربية السعودية يقول هوفمان: {النظر إلى الكعبة من أعلى يكاد يكون كالتنويم المغناطيسي، والمشهد شديد الجمال، فالكعبة تبدو كمركز ثابت لا يتحرك لأسطوانة تدور ببطء، في سكون تام، في اتجاه مضاد لعقارب الساعة، ولا يتغير هذا المشهد إلا عند الصلاة، حيث تصير الكعبة مركزاً لدوائر عديدة متحدة المركز، تتكون من مئات الآلاف من أجسام ناصعة البياض رمزاً لتسليم النفس إلى بارئها}.

يوم عرفة

يحاول المؤلف أن ينتزع نفسه من مشهد الكعبة وجمالها ليتابع سفره إلى منى في رحلة استغرقت حوالى 45 دقيقة، لقطع خمسة كيلومترات حيث نقطة الانطلاق إلى يوم عرفة، ذلك اليوم الذي تنقل فيه آلاف السيارات ملايين البشر إلى جبل عرفة، متعجباً من محاولة البعض الانتقال سيراً على الأقدام، وقد رأى بعينيه رجلاً يسعى مع أبيه المسن إلى بلوغ ذلك الجبل، وهو ينهار بسبب هبوط حاد في الدورة الدموية.

يقول هوفمان عن يوم عرفة: {لم أكن قد عايشت مثل هذا التوجه الكامل إلى الله في حياتي بكل هذا الصفاء الداخلي الباهر، فلا شيء يوم عرفة سوى مناجاته سبحانه وتعالى، وهنا يتجسد نداؤنا الدائم: {لبيك اللهم لبيك}.. متابعاً: {هذا إذن هو معنى الوقوف بين يدي الله بعرفات، ملايين من الناس يتشحون بالبياض ويتركون في هذا اليوم كل شيء وراء ظهورهم فوجودهم اليوم مكرس لله وحده}.

وعندما وصل المؤلف إلى مرحلة رمي الجمرات كان يخشى من بعض البسطاء - على حد قوله - الذين ينتابهم شعور بأن في مقدورهم أن ينالوا من إبليس لمرة واحدة في حياتهم، فيرموا رمزه بأحجار كبيرة وبأحذية ومظلات، فاقترب المؤلف من أحد الأعمدة ليضمن حمايته من التعرض لوابل من حصى الحجاج من الخلف، ثم بعد الانتهاء من رمي الجمرات، تجمع حول حافلتهم مجموعة من الصبية يحملون - كما كان يتوقع - مقصات كي يقصوا لكل حاج خصلة من شعره مقابل ثلاثة ريالات إذا كانوا لا يرغبون في حلق الرأس تماماً.

طواف الوداع

بعد ذلك هرع الحجيج - كما يحكي هوفمان - إلى مكة قبل الشروق ثم طافوا للمرة الثالثة حول الكعبة طواف الإفاضة، لكن الزحام هذه المرة كان أشد من ذي قبل، إذ استغرق الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة حوالي ساعتين حافلتين بالإرهاق، على حد قوله، ثم عاد بعد ذلك إلى محل إقامته وخلع ملابس الإحرام، واستلقى على سريره ملتهب العروق، يحمد الله على منحه القدرة على أداء فريضة الحج داعياً أن يتقبلها منه، ثم راح في نوم عميق.

يسرد الكاتب الألماني الدعوة على الغداء التي تلقاها في قصر خادم الحرمين ضمن 150 حاجاً من بينهم: سلطان بروناي وأحد أبناء الرئيس الإيراني الأسبق رافسنجاني، إلا أن جلسة هوفمان جاءت بين الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور والقاضي الأعلى في باكستان محمد حفظ الله، وتحدث الثلاثة - هوفمان ومنصور وحفظ الله - عن الإسلام وتأكيد أن الحج تجمع هائل للمسلمين كافة.

في اليوم الأخير طاف المؤلف {الطريق إلى مكة} وهو طواف الوداع رغم عدم قدرة قدميه على احتمال سخونة السطح الملتهبة إلا لثوان، وقد تخيل نفسه كدب يحاولون تعليمه الرقص على سطح من صفيح ساخن، ثم جلس، بعد ذلك، يتأمل صورة هذا المسجد ذي الجمال المبهر لحفظها في الذاكرة.