أوردتُ في المقال السابق بعض المعلومات عن تاريخ الجهراء القديم، تعليقاً على ما ورد في يوميات حاجي أحمد عام 1863م، ووثَّق فيها وجود قصر في الجهراء له بروج، وفيها بيوت مبنية، ومربط خيل للتاجر الشهير يوسف البدر.

Ad

واليوم، نستكمل الحديث عن هذه القرية التاريخية، ونذكر بعض المعلومات المهمة بخصوصها، فقد ذكرها صاحب كتاب «لمع الشهاب» عام 1223 في معرض حديثه عن السواحل التابعة لبني خالد، وقال عنها: «كانت الجهراء في عصر الجاهلية قبل مبعث الرسول «ص» بسنين تبلغ المئة، غاية في العمران».

واستقر في الجهراء أفراد من أسرة السعيد الكريمة منتصف القرن التاسع عشر «تقريباً عام 1852» عند هجرتهم من قرية أوشيقر في نجد وأعادوا تأسيسها مع عائلات أخرى كريمة بعد أن كانت مندثرة، واستوطنوها بإذن من شيخ الكويت، بل أصبحوا أمراءها منذ استقرارهم وحتى عام 1938، ثم أصبح أميرها فريح المهوس الحبشي.

وكانت هناك أيضاً مجموعات من أبناء القبائل مما يسمى بـ «عريبدار» متناثرة تسكن في بيوت شعر حول الجهراء منذ مائتي عام أو أكثر، وتوطن أكثرهم فيها بعد أن توقفت حياة البدو القديمة، وأصبحوا من السكان القدماء لهذه القرية التاريخية الكويتية.

وفي بداية القرن العشرين، بنى الشيخ مبارك الصباح قصراً أطلق عليه القصر الأحمر، وكان يتردد عليه لقضاء أوقات الراحة والاستجمام، ثم أصبح القصر ملجأ لأهل الكويت احتموا به عند وقوع معركة الجهراء عام 1920، التي جسّدت تلاحم أهل الكويت من سنّة وشيعة وحضر وبدو وصمودهم أمام العدوان.

واشتهرت الجهراء ببساتينها الجميلة التي كانت تغذي الكويت بالخضار المتنوعة قبل فترة الخمسينيات من القرن الماضي، كما بنى فيها السيد خلف النقيب «توفي عام 1929» قصراً في بداية القرن الماضي يتذكره جيداً أهل الجهراء القدماء.

وكذلك، بنى فيها الشيخ صباح الناصر المبارك الصباح «توفي عام 1957» قصراً كبيراً عام 1925 وامتلك فيها مزرعة كبيرة، وهنا أود أن أشجّع كل مهتم بتاريخ الجهراء على قراءة كتب الشاعر والأديب متعب بن عثمان السعيد، رحمه الله، التي وثَّق فيها الكثير من المعلومات عن الأسر التي سكنت الجهراء، والحياة القديمة فيها، وما يتعلق بالتعليم، والزراعة، والتجارة، وغير ذلك.

وقبل أن أختم حديثي عن الجهراء، أودّ أن أعرض للقرّاء الكرام وثيقة جميلة أهداني إياها الأستاذ عبداللطيف بن عبدالرحمن «رحيم القصر» بن سليمان السعيد «مواليد عام 1943» وفيها يشهد والده عبدالرحمن السعيد «أمير الجهراء منذ أيام الشيخ مبارك ولفترة طويلة»، بأن في ذمته لزوجته مبلغ 500 روبية، ولها أيضاً عنده «بقرة منذ أن كانت عجلاً»، والوثيقة يعود تاريخها إلى عام 1364هـ الموافق عام 1945م.

بقي في ختام هذا المقال أن نقول، إن اسم «كاظمة» أقدم وأعرق من اسم الجهراء، فإن كنا حافظنا على اسم الجهراء وأبقيناه على المدينة، وهو أمر محمود وضروري، فمن الأولَى أن نحافظ على اسم «كاظمة» التي وردت في قصائد قديمة عديدة، ووقعت فيها معركة ذات السلاسل، وكانت موطناً لعدة قبائل منها إياد، وبكر بن وائل، وحنيفة، وعبدالقيس، وأسد، وغيرها.

يقول الحسن بن محمد الهمداني في كتابه المعروف «صفة جزيرة العرب» الذي كتبه في القرن الرابع الهجري: «وديار بكر بن وائل من اليمامة إلى البحرين إلى سيف كاظمة إلى البحر فأطراف العراق فالأُبُلَّة فهِيت».

أليس من الأولى أن نطلق اسم كاظمة على المحافظة فتكون محافظة كاظمة بدلاً من محافظة الجهراء؟، في مقال الأسبوع القادم، سأستكمل تعليقي حول رحلة حاجي أحمد التاريخية، إن شاء الله، وسأتطرق الى استقبال الشيخ مبارك الصباح للوفد الزائر في الجهراء قبل وصوله إلى مدينة الكويت.