نعيش في عالم مضطرب، قلق، حتى قيل إن العالم مقدم على الانهيار والتفكك.

Ad

في كل مكان تقريباً هناك "حفلة" دولية من نوع ما، بعضها مغموس بالدم، وبعضها بأهازيج مصطنعة، وبعضها بلا طعم ولا لون ولا رائحة، بعضها مكرر، وبعضها جديد، ولكن المؤكد أن حصة منطقتنا أكثر بكثير من غيرها.

حديث "الحفلة" هو عن مدى صلاحية الدولة كما نعرفها، وإن كانت قد أصابتها الشيخوخة. يراها البعض ضعيفة، فيتجه إلى الاتحاد ليصبح وحدة أكبر وأقوى، ويراها آخرون وحدة صغيرة منفردة يقاتل من أجلها.

الكل يدور حول الدولة، يريدها كما يراها، فمن اسكتلندا، وهي جزء من اتحاد قوي إلى "داعش" التي لا تؤمن بالجنسيات وتمزقها، إلى دول تمنح جنسيات بلا حساب، ودول تسحب جنسيات. نحن أمام نماذج أو "موديلات" إن شئت، كل منها نقيض للآخر. متناقضات أنهت حقبة التفاؤل بالدولة التي سادت العالم أكثر من أربعة قرون، ويبدو أنه آن أوان المراجعة.

"حالة الدولة الداعشية" نموذج واضح من أفغانستان، وانطلق إلى الصومال، ثم اليمن، ثم نيجيريا، ثم سورية، ثم العراق، ومن يدري أين غداً.

 نموذج غير قابل للحياة إلا بالقضاء على النماذج القائمة، فلا يمكن إلا أن يبتلع أحدهما الآخر، "الحل الصومالي" كان مساراً مغايراً، عندما تم التفاوض مع "اتحاد المحاكم الإسلامية"، ثم صار رئيسها رئيساً لدولة الصومال التقليدية، وانسحب "الشباب" "الدواعش" إن شئت، ليعلنوا أن نموذجهم مازال على قيد الحياة. فهل يمكن أن يحدث ذلك مع "داعش"؟ ومن ثم يصبح "الخليفة البغدادي" رئيساً للدولة الداعشية بقبول وترتيب من الجميع، بشرط أن يصبح قابلاً للتعايش مع الآخرين؟ من يدري؟

حالة اسكتلندا كانت رصاصة لو انطلقت، لعمّ بارودها كل الدنيا، ولكانت نقطة الانطلاق لنهاية الوحدات الكبرى، ولماذا ترغب استكتلندا في الاستقلال على أي حال؟ فلديها كل مواصفات الحكم الذاتي. وهكذا كانت "فكرة" الوحدة والاتحاد أقوى بكثير من حملة "استقلال" منظمة ممولة جيداً، وتعتمد على هاجس قومي جارف، ومع ذلك لم تعبر إلى الضفة الأخرى، وظلت بريطانيا موحدة حتى إشعار آخر.

الحفلة في اسكتلندا انتهت بالبقاء في الاتحاد البريطاني، ولكن لن يكون هناك متسع للاحتفال، فالمشكلة هي في مفهوم الدولة القومية، وهكذا، في أوروبا وحدها توجد 40 دولة بلا جنسية.

هي ذات الإشكالية مع المنطلق الداعشي، والقضاء على "داعش" ممكن ومحسوم، ولا مجال للمقارنة في اختبار القدرات العسكرية والبشرية، ولكن ماذا إن كان من يريد القضاء على "داعش" يحمل نفس الفكر وشبه الممارسات، ولكنه يتجمل. وكما أن انتصار الوحدة على الانفصال لن يمكّن المنتصرين من الاحتفال، كذلك فإن القضاء على "داعش" لن ينهي الأزمة، فالأزمة فينا، فهي أكثر شراسة وتغلغلاً مما نتصنع.