ماذا لو انقلبت الأحوال، وصارت مصر واحدة من الدول العظمى التي يتهافت شباب العالم، وعلى رأسهم الشباب الأميركي، على السفر إليها، وطلب ود رجال سفارتها في العاصمة الأميركية، لكنهم يواجَهون بغطرسة الموظفين المصريين، الذين يطردونهم شر طردة، بوصفها الدولة التي تبلغ نسبة البطالة فيها «صفر»، كذلك  يحصل الموظف البسيط في وزارة خارجيتها على راتب لا يستطيع أن يصل إليه الوزير في أميركا، ولا يستطيع زائرها الأجنبي، الذي يحمل مبلغاً يُقدر بخمسة آلاف دولار أن يعيش فيها أكثر من ثلاثة أيام لارتفاع مستوى المعيشة، ولأن القائمة السوداء تنتظر من يجرؤ على كسر تأشيرة دخول أراضيها، في حين يعيش ثلث الشعب الأميركي تحت خط الفقر، ويهوى سماع أغنية {العبد والشيطان} لمحمود الحسيني في صالات الديسكو!  

Ad

  فكرة تقطر بسخرية لاذعة كتبها محمد سيد قناوي لفيلم {الدنيا مقلوبة}، في حين كتب المعالجة الدرامية عبد المنعم طه وأخرجها للشاشة هاني صبري، لكن الفكرة الطازجة، التي كان يمكن أن تصنع فيلما {فانتازياً} أخاذاً، انتهت إلى {كابوس} مزعج، لأسباب تتصل بالمعالجة الدرامية الرديئة، والإنتاج الفقير الذي دفع المخرج إلى اختيار باسم سمرة، بتقاطيعه الحادة، بشرته السمراء، لهجته الخشنة، فضلاً عن ملامحه الشرقية، ليجسد شخصية الشاب الأميركي {جاك}، الذي يعاني البطالة، عقب تخرجه من قسم اللغة العربية في كلية التربية التابعة لجامعة نيويورك، ويسيطر عليه {الحلم المصري} الذي يراود الملايين في العالم!

  خطأ أصحاب فيلم {الدنيا مقلوبة}، الذي تحول إلى خطيئة كبرى، أن خيالهم صور لهم أن السخرية لا يحكمها منطق، والكوميديا لا تقوم على رؤية، فتوغلوا في مساحة يجهلونها، وتبنوا أفكاراً لا تخضع لنسق أو يتقبلها عقل، ناسين أن للهزل أصولاً وللسخرية منطقاً، فالفيلم يبدأ بتظاهرات الاحتجاج التي اندلعت في أميركا ليوحي بأنها كانت سبباً في انهيار الدولة العظمى، وتحولها إلى دولة نامية، يملأ شوارعها وأزقتها الحمير والصعاليك، وتعجز خيام إيوائها عن استيعاب الفقراء والمشردين في وقت تستضيف فيه مصر بطولة كأس العالم لكرة القدم،  وبدلاً من أن يجهد الكاتب نفسه في البحث عن مبرر {أيديولوجي} أو {كوني} مقنع للسقوط الأميركي المفاجئ، لجأ إلى الاستخفاف والتسطيح وتجاهل الثقافة التي تربى عليها المواطن الأميركي، عبر إسقاط أمراض ومظاهر تخلف الشعب المصري على المجتمع الأميركي الجديد، فالمواطن الأميركي،  بعد الانهيار، يكذب كما يتنفس، وغارق في الروتين والبيروقراطية، يأكل الفول، ويكره العمل، ومتفرغ طوال الوقت للنصب والتزوير والاعتصام والإضراب، ويود لو عمل طباخاً أو بواباً في مصر، ويكاد يصرخ في وجوهنا: {لو لم أكن أميركياً لتمنيت أن أكون مصرياً}!  

  عبث سخيف وجهل صارخ بلغا مداهما بإطلاق اسم «جمهورية مصر العظمى» على القوة التي تحكم العالم، بعد انهيار أميركا، وإعادة توزيع موسيقى «بلادي بلادي»، واختيار العلم الأخضر ذي الهلال و5 نجمات ليصبح علم الدولة العظمى، وكأنه استدعاء جاهل وفج لعهد ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، حيث كان العلم وقتها أخضر بهلال و3 نجوم، أيضاً يقع الفيلم في فخ العنصرية الوقحة باتهام الصومال بأنها دولة الجنس والممنوعات!

  في فيلم «الدنيا مقلوبة» أظهر المخرج هاني فوزي، وطاقم الإنتاج من خلفه، كرامة كبيرة كادت تتحول إلى معجزة خارقة عندما أطلق نظرية جديدة تقول: {لماذا تستعين بممثل أجنبي ما دمت تستطيع أن تُطلق على باسم سمرة اسم {جاك} وأحمد عزمي اسم {جون} وعبد الله مشرف اسم {يوند} مثلما تستطيع أن تمنح كل ممثل وممثلة شعرا مستعارا أصفر أو ذهبياً ليصير، بعده، أميركياً}!

  النظرية الجديدة فرضت نفسها نتيجة الفقر الإنتاجي الواضح، فإضافة إلى الديكورات والإكسسوارات الساذجة (عصام العجوز) لمشهد خيام الإيواء، والمشردين، والموسيقى (محمد ضياء) المستعارة من مطلع السبعينيات، رغم أن الأحداث تدور في ما بعد القرن الـ21، شهد الفيلم أسوأ تطبيق لنظرية {الممثل غير المناسب في الدور غير الموجود}، ومشاركة باقة من الممثلين أدركوا في قرارة أنفسهم أنهم بصدد {سبوبة}، فتعاملوا معها بكثير من الإهمال واللامبالاة، كما فعل باسم سمرة، الاختيار الأسوأ في الفيلم، وعلا غانم التي لم تغير أداءها، ماكياجها، ملابسها، وصراخها المستفز، سواء كانت تؤدي شخصية {حفيظة} أو {ميري}، وسارت على نهجها الوجه الجديد جومانا القائد التي اختارت أن تكون ممثلة إغراء رغم أن الشخصية الدرامية لا تحتاج إلى ذلك!

  قمة الملهاة في فيلم  {الدنيا مقلوبة} عندما تُطالب {ميري} الأميركية حبيبها بألا يسافر إلى مصر حتى لا تخطفه منة شلبي وغادة عادل، بينما يختار الشاب الأميركي لرنة هاتفه النقال مقطعاً يقول {مصر التي في خاطري وفي دمي}!