عند انطلاقة "عاصفة الحزم" تدك أوكار الحوثيين المتمردين على الشرعية، تذكرت قصيدة أبي تمام في فتح عمورية ومطلعها:

Ad

السيف أصدق أنباءً من الكتب

        في حده الحد بين الجد واللعب

وقصة هذه القصيدة كما روتها كتب التاريخ أنه في زمن الخليفة العباسي المعتصم بالله، تم الاعتداء على امرأة مسلمة في بلدة من أعمال عمورية في بلاد الترك الواقعة تحت حكم الروم، فنادت المرأة بصوت عال "وا معتصماه" فتناقلته الألسنة حتى وصل إلى الخليفة الذي أقسم بالله تعالى أن يفتح عمورية، فنصحه الكهان والعرافون بألا يفعل، لأن عمورية لا تفتح إلا في أوان نضج الفاكهة، لكنه صمم وتوكل على الله تعالى وقدم إليها وفتحها، فقال أبو تمام قصيدته الطويلة في مدح وتمجيد ما فعله الخليفة.

 مناسبة هذا البيت، في هذه الأيام، أن الحوثيين عاثوا فساداً عريضاً في اليمن، نقضوا العهود وانقلبوا على المبادرة الخليجية التي تمت بإجماع يمني وإشراف خليجي ودولي، وتمردوا على الشرعية، فاقتحموا مدينة عمران في يوليو 2014، واحتلوا صنعاء في سبتمبر من العام نفسه، واستولوا على المؤسسات الرسمية وحاصروا الرئيس الشرعي والحكومة الشرعية ووضعوهم رهن الإقامة الجبرية، وأعلنوا "الإعلان الدستوري" الذي ألغوا فيه السلطة التشريعية، وكان من لطف الله تعالى، أن أفلت الرئيس الشرعي إلى عدن، ونجا بنفسه، فقرروا ملاحقته وقتله، فاستنجد بالخليج والعرب والمجتمع الدولي لإنقاذ اليمن من مصير بائس ومظلم تحت حكم الحوثيين المؤتمرين بأوامر الولي الفقيه في طهران.

 كان اليمن في طريقه إلى أن يصبح بؤرة فوضى هائلة أشبه بالثقب الأسود الكبير في المنطقة، تدب إليه الجماعات المتطرفة من كل مكان، ويصدر كل أشكال الاضطرابات إلى دول المنطقة، وبالذات للسعودية ودول الخليج، ولكن رحمة الله تعالى تداركت اليمن والسعودية والخليج، إذ استجابت السعودية والدول المتحالفة معها لنداء الشرعية، وهبت مسرعة في مبادرة جسورة لإنقاذ اليمن وشعبه من مصير كارثي مأساوي، لإعادة الشرعية والأمن والأمان والاستقرار لليمن والمنطقة، فأعادت الأمل في مستقبل مشرق لليمن بعد تقليم أظافر الحوثيين ووضع حد لتدخلات الولي الفقيه.

أكثر من 6 أشهر من الجهود الدبلوماسية المكثفة والمناشدات الخليجية والعربية والدولية للحوثيين باحترام الشرعية والعودة إلى طاولة الحوار على قاعدة المبادرة الخليجية، والحوثيون يتمادون في غيهم وعدوانهم، يتظاهرون بقبول الحوار ثم ينقضونه، وولي نعمتهم في طهران يشجعهم على التمرد ويمدهم بالسلاح والمال ويرسل لهم الخبراء والمستشارين يدربونهم عسكرياً.

 كان الولي الفقيه يمنّي نفسه بالأماني العريضة، كان يريد اليمن "قاعدة" لانطلاق مخططاته ومشاريعه التخريبية عبر أدواته وأذرعه وأحصنته في المنطقة، كان يريد تحويل اليمن إلى مستودعات كبيرة لتخزين أسلحته، ومن ثم تصديرها إلى أتباعه هنا وهناك، كان يسعى إلى محاصرة السعودية– خصمه الأكبر– شمالاً وجنوباً، لكنه أخفق في الحسابات ووقع في أخطاء جسيمة، ظن أن السعودية ودول الخليج لن تحرك ساكناً، ستحتج وتستنكر وتلجأ إلى الحلول الدبلوماسية كالعادة.

 لكن إيران وقعت في ثلاثة أخطاء:

 أولاً: لم تحسن تقييم الموقف السعودي وردود أفعاله، ولم تدرك أن السعودية لا يمكن لها أن توافق بوجود دولة الولي الفقيه في الحديقة الخلفية لها، لأن ذلك يهدد مصالحها الحيوية وأمنها الوطني.

ثانياً: إيران راهنت على روسيا داعمة لها في موقفها ودورها في اليمن وأخفقت لأن روسيا لا تستطيع أن تقدم لها شيئاً غير الحلول الدبلوماسية.

 ثالثاً: ظنت أن أميركا ستقف في صفها أو على الأقل ستقف محايدة، ولن تؤيد السعودية ودول الخليج– بسبب تلهفها لإنجاز الاتفاق النووي معها– وهنا أخطأت إيران، مرة ثالثة، لأنه لا يمكن لأميركا أن تفرط في علاقاتها بالسعودية والخليج، وهي علاقات تاريخية تمتد إلى 80 عاماً.

 خابت كل الحسابات والمراهنات الإيرانية على الحوثيين، وها هي إيران اليوم في موقف عصيب، لا تستطيع نجدة صديقها ووكيلها في اليمن، ولا تستطيع إمداده بالسلاح والذخيرة وهو يتلقى الضربات في شكل عذاب نازل من السماء، فيصرخ ولا مغيث ولا ولي ولا نصير، كما أن إيران لا تملك أي وسائل أو أدوات ضغط على قوات التحالف لوقف ضرباتها، إيران اليوم في أسوأ أحوالها، في حالة يرثى لها، ورطت حليفها وتركته في أزمته، تتخبط يمنة ويسرة، وتتحرك شمالاً وجنوباً، تذهب إلى عمان ثلاث مرات وتتوسل إليها وتطلب وساطتها لدى أخواتها الخليجيات، وتذهب إلى باكستان، لعل وعسى، وتنتهز زيارة أردوغان لطهران لتطرح عليه مبادرة تسوية، ثم يتباكى الرئيس المعتدل روحاني ويذرف الدموع حزناً على سقوط المدنيين والأطفال ويتوسل إلى السعودية طالباً وقف ضربات التحالف! من باب الإنسانية!  من يصدق إيران في موقفها اليوم، وهي التي دعمت النظام السوري على امتداد 4 سنوات بالمال والسلاح والجنود والخبراء ليقتل 200 ألف قتيل مدني غير مئات الألوف من النساء والأطفال والشيوخ من الجرحى والنازحين والمهجرين؟!

ترى ما دلالات تحول الموقف الإيراني اليوم من غرور التباهي بسيطرته على أربع عواصم عربية وتحكمه بطرق الملاحة العالمية عبر منفذي: المندب وهرمز، إلى التباكي اليوم وطلب الوساطة والدعوة إلى الحوار؟!

إن أولى الدلالات وأبلغها أن إيران لا تعرف إلا لغة واحدة، هي  لغة القوة، وإن إيران لا تحترم الضعفاء والمسالمين، فقط هي تحترم الأقوياء وتعمل لهم ألف حساب، لا تعترف إيران بلغة الحوار وحسن الجوار وسياسة "الأدب الجم" التي دأبت عليها دول مجلس التعاون على امتداد 30 سنة، عجباً لأمر الحوثيين وولي نعمتهم! 6 شهور والعالم يناشدهم بالعودة إلى مائدة الحوار وهم يتعنتون ويكابرون ويرفضون ويستمرون في الزحف على المدن اليمنية، اليوم نجدهم يملؤون الفضاء الإعلامي والدبلوماسي ضجيجاً، نريد طاولة الحوار! لا يمكن الحوار مع من يمسكون السلاح.

 ولا يمكن الحوار مع من يحترم ولا يلتزم بتوقيعه، ولا يمكن الحوار مع من لا يؤمن بلغة الحوار، أما الدلالة الأخرى للموقف الإيراني فهي نجاح عملية عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها وتقطيع أوصال المتمردين وتدمير معظم مخزون السلاح الإيراني المكدس في مستودعات يفوق عددها عدد المدارس في اليمن.

 * كاتب قطري