عندما تقف في باحة "كور نابليون"، الباحة الرئيسية لمتحف اللوفر، ذلك المتحف الضخم الذي يتربع على مساحة تقارب الأربعين هكتارا على الضفة الشمالية لنهر السين الفرنسي، وتنظر عن يمينك وشمالك ستشاهد ذلك القصر الشامخ المهيب الذي قطنه ملوك فرنسا على مراحل تم خلالها تطويره من قلعة تعود للعصور الوسطى إلى شكله الحالي حتى عام 1672 عندما غادره لويس الرابع عشر إلى قصر فرساي، ليصبح بعدها مقرا لعرض العديد من التحف الملكية واللوحات والمنحوتات ولأكاديميتين للفنون ظلتا تشغلانه حتى جاءت الثورة الفرنسية، فأصبح متحفا قوميا للأمة الفرنسية افتتح رسميا في عام 1793. ستظل تجيل نظرك مستمتعا بنمط العمارة المميزة لذلك البنيان الأثري وللفترات الزمنية التي تم تشييده فيها، حتى تقع عيناك على مدخله الرئيسي لترى مفارقة عمرانية واضحة ستصيبك حتما بكثير من التعجب والاستغراب، وللأمر حكاية شيقة!

Ad

تم الانتهاء من تشييد المدخل الحديث لمتحف اللوفر في عام 1989، بعدما ضاق مدخله القديم بالزوار، وقد جاء شكله النهائي على هيئة هرم زجاجي بهيكل معدني رباعي الجهات، جعل في قلب الباحة ليقود الزوار إلى قاعة الاستقبال الرئيسية تحت الأرض في السرداب الأول يتوزعون منها على قاعات المتحف المختلفة. وقد قام بعمل المدخل مهندس معماري أميركي الجنسية صيني المولد يدعى يوه مينغ بي، له أعمال شهيرة عالمية، وذلك بتكليف من الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران، وهو الذي جرى في عهده العديد من الإصلاحات والتعديلات على متحف اللوفر.

وما إن انطلقت أعمال تشييد المدخل الهرمي الشكل حتى ثارت عواصف من الاستهجان والرفض والاعتراض على المشروع بسبب تصميمه الحداثي المفارق لكلاسيكية قصر اللوفر، وصولا إلى السخرية من الرئيس ميتيران بأنه مصاب "بالمركب الفرعوني" ورغبته في تخليد اسمه عبر تشييد هذا الهرم الغريب المضحك الشكل على حد تعبيرهم، وبطبيعة الحال، كان للمدخل مؤيدوه ومحبوه ممن قالوا إنه مثل نقطة التقاء فنية ما بين الحداثة والكلاسيكية!

لم تتوقف الحكايات حول هرم اللوفر عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى الحكاية الأكثر تشويقا، وهي التي تم تداولها أثناء تشييد المدخل في الصحافة والأوساط الفرنسية، وأعاد إحياؤها الروائي الأميركي دان براون في روايته الأشهر "شيفرة دافينشي"، في عام 2003، من أن الهرم قد بُني قصداً، بطلب مباشر من الرئيس ميتيران، من قطع زجاجية مجموعها 666 قطعة. الجزء الأكثر إثارة في المسألة هنا هو أن الرقم 666 يسمى في علم تاريخ الأديان "رقم الوحش"، والمراد به وحش جاء ذكره في "العهد الجديد" بأنه يخرج في آخر الزمان طالبا من البشرية طاعته وعبادته فيتصدى له المسيح ويقتله غرقا في بحيرة النار، وكذلك يربط هذا الرقم بالمسيح الدجال الذي يصارعه المسيح أيضا وينتصر عليه، ولذلك يربط في كثير من الأدبيات بأنه رقم شيطاني أو "رقم الشيطان" نفسه، وأن استخدامه يستدعي الشيطان أو يستظل به، وأن للأمر ارتباطا بديانة خفية كان يدين بها الرئيس ميتيران.

وقفت بنفسي في باحة اللوفر وقمت بعدّ القطع الزجاجية المكونة لهرم المدخل، فوجدتها تتكون على كل واحد من ثلاثة جوانب من أصل جوانبه الأربعة المتساوية الحجم من 171 قطعة زجاجية، ولم أتمكن من عد القطع الزجاجية على الجانب الرابع لاحتوائه على الأبواب الدوارة وهي التي تكونت من قطع مختلفة الشكل يتعذر الإحاطة بها جميعا، ولكن، بقليل من الخيال، لو قلنا إن هذا الجانب كان كالثلاثة الأخرى، ومن دون أبواب، باعتبار تناسق الشكل الهندسي للهرم، فسيحتوي على 171 قطعة زجاجية أيضا، وسيكون مجموع القطع حينها 684 وليس 666.

أتباع نظرية مؤامرة الـ666 يقولون إن السر يكمن في عدد القطع الزجاجية في الجانب الرابع، أي جانب الأبواب، وهو ما تصر التقارير الرسمية الصادرة عن اللوفر وعن مكتب المعماري الذي قام بتشييد المدخل على نفيه قائلة إن الحكاية برمتها محض خيال، وإن الرئيس ميتيران لم يتدخل أبدا في الشكل المقترح أو التصميم الهندسي للمدخل الذي جاء بالكامل من إبداع المهندس يوه مينغ بي، وإنه يتكون من مجموع قطع لا يساوي 666 أبداً.

لكن ما يزيد المصرين على نظرية الـ666 تمسكا برأيهم أن الجهات الرسمية المسؤولة اختلفت في ما بينها في تحديد رقم القطع، فجاءت بأرقام مختلفة، وعجزت حتى الساعة عن الاتفاق، فما السر في ذلك يا ترى؟!

على كل حال، وبالرغم من هذا، بل ربما بسببه بشكل من الأشكال، لا يزال متحف اللوفر يعد المتحف الأعظم عالميا من حيث عدد زواره سنويا، وأصبح هرم مدخله الزجاجي وحكايته "الشيطانية"، التي لا تزال وستظل نهبا لخيالات عشاق نظريات المؤامرة، أحد أشهر معالم باريس وأهمها!