عندما تسقط تفاحة

نشر في 13-10-2014
آخر تحديث 13-10-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم لماذا نتذكر العالم "إسحاق نيوتن" كلما سقطت من الشجرة تفاحة؟

فمن غيره التقط عقله هذا السقوط الذي يحدث ويتكرر على البشرية منذ فجر خلقها إلى يوم وقوعها على رأسه، وحده استطاع أن يجد العلاقة ما بين التفاحة وسقوطها، فمن منا يعنيه سقوط تفاحة من شجرة جالس تحتها، ويفتنه هذا السقوط العمودي، ويدفعه للتساؤل عنها ولماذا لم تسقط بزاوية منفرجة أو للأمام أو الوراء أو الأعلى، لماذا في كل مرة تكرر سقوطها العمودي بذات الشكل؟

مجرد سقوط تفاحة على رأس عبقري أتت لنا بنظرية ومعرفة عن جاذبية الأرض التي فتحت الطريق لمعارف كثيرة بُنيت عليها نظريات أفادت البشرية كلها.

كم منا تشده الطبيعة وتجره إلى أسئلتها، فهناك تفاح يتساقط فوق رؤوسنا ومن حولنا في كل لحظة، وكل يوم محمل بكمية من المعارف التي بإمكانها تغيير واقع عالمنا العربي، ودفعه إلى مصاف شعوب العالم المبتكرة المبدعة الخلاقة المسيطرة على اقتصاد العالم كله بكنوز معارفها التي تعرف كيف تبحث وتتساءل، وتُبقي لنا فقط أكل التفاحة ورمي بذورها حتى وإن سقط تفاح العالم كله فوق رؤوسنا فلن يحرك فينا أي ذرة تساؤل أو حتى فضول معرفي يُسكن تساؤلنا.

الأسئلة السابقة اندفعت برأسي حين زرت منزل العالم "إسحاق نيوتن"، وتوقفت أمام الشجرة التي ولدت منها نظرية الجاذبية التي اكتشفها نيوتن حين كان جالسا تحتها لحظة سقوط تفاحتها، وبصراحة شعرت بشجن كبير يداهمني، وأنا أنظر إليها، وأتذوق تفاحها المحمل فوق أغصانها، لعل وعسى تصيبني ذرة من عبقرية مالكها الذي ولد في 25 ديسمبر 1642 وتوفي في 20 مارس 1727 بعد أن أنجز قانون الجذب العام، وحساب التفاضل والتكامل، والبصريات، ونظرية ذات الحدين، والأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية طريقة نيوتن.

الأمكنة التي غادرها أصحابها هي أكثر ما تؤثر بي، وتثير لدي الحنين والشجن لمن غادرها وترك خلفه دفء ذكرياته بها، فمن يغادر يترك كل أفكاره وحياته خلفه، لا يحملها معه لأنه في الحقيقة لم يمت مادامت أفكاره بقيت حية نابضة بيننا، فقط جسده ذاب وعاؤه الحاوي، أما جوهره فهو ما يتبقى خالدا إلى الأبد، وهو ما نعايشه ونحسه في هذه الأمكنة والكتب والنظريات والبحوث التي انطوت فيها، وهو ما هزني وأنا أتجول في بيته وأجوس في أرجائه، وربما تطابقت خطواتي مع خطواته وكأن الزمن ليس إلا كذبة عابرة في موشور مفتت للضوء الأبيض كما اكتشفه نيوتن وهو يحلل الضوء الأبيض إلى مجموعة الألوان التي أصابته بالعمى مدة ثلاثة أيام بسبب التحديق في الشمس من أجل التوصل إلى معرفتها، وها هو يتخبط في عماه ما بين الغرف التي يرتادها الزوار الآن ليشعروا بما كان يشعر به في بحثه.

البيت الصامت يضج بحضور غير مرئي لصاحبه، من منزله إلى إسطبله وحدائق تفاحه كلها تضج وتفور بحضوره، ولا أدري إن كان هذا الشعور مجرد وهم يطوف بي أم أن جميع من يزوره يشعر به؟

هذا الرجل العالم العبقري الطاغي في حضور لا يعرف له موتا، فكل أفكاره وكل ما ورد في عقله يعيش حيا بيننا، فهو الأبرز بين علماء الفيزياء والرياضيات، وواحد من رموز الثورة العلمية في العالم وليس في انكلترا وحدها، وحتى الشعراء حرك قريحتهم فكتبوا فيه أجمل الوصف والنعوت، فقد قال الشاعر الإنكليزي الكسندر بوب" الطبيعة وقوانين الطبيعة خاملة ومتخفية في الظلام، حتى قال الله لنيوتن كن فأضاءت كلها"... كما وصف ويليام ووردزووث تمثال نيوتن في كلية الثالوث في كامبريدج: "تمثال نيوتن الرخامي المنصوب في كنيسة الثالوث بموشوره ووجهه الصامت، دليل أبدي على وجود عقل جال في بحور الفكر الغربية وحده".

هذا الرجل العظيم كان مثالا للتواضع فهو الذي قال: "إذا كانت رؤيتي أبعد من الآخرين، فذلك لأني أقف على أكتاف العمالقة".

"إنني جاهل لا أعرف إلا حقيقة واحدة، وهي أنني لا أعرف شيئا".

"نحن نبني الكثير من الجدران والقليل من الجسور".

هذا الذي لا يعرف شيئا، كما يقول بات أهم عالم أنجبته البشرية، حتى ان أينشتاين كان يضع صورته على مكتبه.

back to top