السعدون خلال ندوة «ناطر بيت»: مشكلة الإسكان لن تُحل نهائياً إلا بحل مشكلات البلد الأخرى

نشر في 10-12-2014 | 00:04
آخر تحديث 10-12-2014 | 00:04
«مقدم الطلب الإسكاني في 2014 سينتظر 43 سنة إذا استمرت الوتيرة الحالية»

قال جاسم السعدون إن نمط الإنفاق والتوظيف الحالي، إن استمر، فإن قطاع الإسكان ليس هو المهدد فحسب، بل إن الوظيفة، وهي أهم أساسيات الحياة ستكون مهددة، أيضاً، وبشدة، مؤكداً أن الجمع بين سياسة الإسكان الحالية وتوفير الوظيفة الحكومية غير ممكن.
أكد الخبير الاقتصادي رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون انه يمكن أن نجتهد في إيجاد سبل لخفض قيمة الأرض التي تفوق تكلفة البناء وهي حالة فريدة في العالم، ويمكن أن نتكلم عن مساحة البناء، وفي خفضها خفض جوهري للتكلفة، ويمكن أن نتكلم عن التوسع العمودي، كحلول جزئية للمشكلة الإسكانية، لكنها بالتأكيد لن تحل الأزمة بشكل نهائي ما لم يشمل الحل جميع الجوانب الأخرى.

وأضاف السعدون، خلال كلمته في ندوة حملة «ناطر بيت» الشهرية، والتي ناقشت انعكاس أسعار النفط على العقار، أن مشكلة الإسكان لا تُختزل في عدم وجود مساكن فقط، بل هي مشكلة مجتمعة لكل مشاكل البلد من اسكان وتعليم وصحة ورياضة وثقافة وفن وبيئة وغيرها، مشيراً إلى أنه لن يكون هناك حل إلا بحصول البلد على ما تستحقه من إدارة ذات كفاءة، أي أن علاج أزمة الإسكان جزء من كل لا يمكن تحققه دون تغيير جوهري في مضمون الإدارة العامة.

وتناول السعدون بعض الأرقام والحقائق حول المشكلة الإسكانية، فذكر ان عدد طابور الانتظار بلغ 110 آلاف عائلة كما في نهاية 2013، وبلغ عدد طابور الانتظار كما في نهاية عام 2000 نحو 48 ألف وحدة سكنية، أي أن عدد الطلبات المتراكمة زاد بنحو 62 ألف «عجز» في 14 سنة، ذلك يعني أن معدل العجز السنوي ازداد خلال الفترة بنحو 4430 طلبا، كما بلغ عدد طابور الانتظار في نهاية عام 2004 أي مع بدء الارتفاع الكبير في أسعار النفط نحو 77 ألف طلب، أي أن العجز المتراكم في 9 سنوات أي خلال الفترة من 2005-2013 بلغ نحو 43 ألف طلب، أو بمعدل سنوي بلغ 4780 ألف طلب، وانخفضت نسبة مالكي البيوت من 61.1 في المئة من السكان في السنة المالية 2004-2005 إلى 55.9 في المئة في السنة المالية 2011-2012، أي أنه حتى في حقبة ارتفاع أسعار النفط كان العجز السنوي في ازدياد لأن معدل النمو في الطلبات كان أكبر من نمو القدرة على مواجهتها.

وأضاف ان العجز المتراكم حتى نهاية عام 2013 كان 110 آلاف طلب، ومن المتوقع أن يضاف إليها خلال السنوات العشر القادمة 2014-2023 ما معدله 102 ألف طلب إضافي، ليبلغ عدد الطلبات 212 ألف طلب، مضيفاً ان عدد الطلبات ما بين 2000-2013 كان نحو 109 الاف طلب بمعدل نمو 7800 طلب، وسوف يرتفع هذا المعدل إلى نحو 102000 طلب أي بنسبة زيادة بنحو 30 في المئة للفترة 2014-2023.

ولفت الى ان مساحة بناء البيت في الكويت تبلغ نحو 1569 مترا مربعا أو نحو 7.3 اضعاف مساحة البيت الاسترالي، ونحو 8.7 اضعاف حجم البيت الكندي، ونحو 7.1 اضعاف البيت الأميركي، والدول الثلاث أغنى من الكويت بمقياس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، واقتصاداتها متقدمة ومتنوعة مصادر الدخل أي ضامنة للاستدامة، مضيفاً أن ما تم إنجازه وتسليمه من طلبات للفترة من 2000-2013 بلغ نحو 31500 مسكن من أصل 109 الاف طلب أو نحو 29 في المئة، أي أن نسبة العجز عن الإنجاز كانت 71 في المئة.

سيناريوهات المستقبل

واوضح السعدون ان هناك سيناريوهين للمستقبل فيما يتعلق بالقضية الإسكانية، الأول وهو سيناريو متشائم، وهو تحقيق نفس نسبة إنجاز الفترة 2000-2014 أي نحو 29 في المئة، وفي هذه الحالة سوف يتم تسليم نحو 61500 وحدة سكنية، وسوف يصبح عدد طابور الانتظار 150500 أي بزيادة بنحو 40500 طلب متراكم أو بنسبة زيادة في أعداد المنتظرين بنحو 37 في المئة. أما السيناريو الثاني وهو السيناريو المتفائل، فإن الحكومة ومجلس الأمة وعدا بإنجاز 12 ألف وحدة سكنية في العام الواحد، وهو ما لم يتحقق منذ ستينيات القرن الفائت، ولو تحقق ذلك، فسيبلغ عدد الوحدات المنجزة 120 ألف وحدة، وسوف يظل على قائمة الانتظار نحو 92 ألف طلب.

وقال: «لا أظن أن أحداً كان يصدق غلبة احتمال تحقق السيناريو المتفائل حتى لو استمرت حقبة المئة دولار أميركي وأعلى لبرميل النفط الكويتي، ومن شبه المؤكد أن ذلك غير ممكن في حقبة الـ70 دولارا الحالية أو ما دونها أو ما فوقها قليلاً لبرميل النفط الكويتي، وإن فشلت وعدنا إلى السيناريو المتشائم، فسوف تمتد فترة الانتظار لمقدم طلب في عام 2014 إلى 43 سنة».

واشار الى ان كل ما تقدم ليس صلب الموضوع، فالأصل في الدول التي تتمتع بمستوى كفاءة مقبول للإدارة العامة، أي أنها – أي الإدارة العامة – وقبل إقرار أي سياسة، تجيب على سؤال واحد محدد، وهو، هل ما نقرره قابل للاستدامة؟

لا استدامة

وأضاف السعدون: «في الإجابة على السؤال المذكور، فإن السياسة الإسكانية حتى مع الاستراتيجية المعدلة غير قابلة للاستدامة، وضحيتها ليس نجوم الإدارة العامة، وإنما الشعب».

وقال: «إذا افترضنا استمرار السياسات المالية الحكومية على ما هي عليه، أي الاعتماد الكلي على القطاع العام، وليس هناك قطاع عام وإنما نفط فقط، وافترضنا ضعف سوق النفط بما يجبر الحكومة على خفض معدلات نمو الإنفاق العام من معدل 12.6 في المئة لحقبة الرواج 2003-2013 إلى 7.6 للفترة 2014-2030، فذلك يعني أن معدل النفقات العامة قد يصل إلى 41 مليار دينار سنوياً خلال 17 سنة قادمة، وقد بلغ معدل النمو للسنة المالية الحالية 2014-2015 نحو 10.3 في المئة أي أعلى، وذلك يعني إنفاق نحو 700 مليار دينار في 17 سنة، أو كل إيرادات النفط زائداً كل الاحتياطات المالية أي احتياطي الأجيال القادمة، ونحو 102 مليار دينار منها للإسكان فقط، منها نحو 43 مليار دينار لدعم الطاقة أي اقتطاع من صادرات النفط.

وأشار إلى أن أول المستحيلات في هذا الأمر عدم قدرة الإنفاق العام لنمطه على مواكبة الحالي، وأحد مكوناته الرئيسية نمط التوسع الإسكاني الأفقي الحالي، وضحايا الاقتطاعات كثر، وثاني المستحيلات هو أنه في حال استمرت معدلات النمو السكاني للكويتيين من السكان بحدود مخفضة، أو بنحو 2.6 في المئة، وبسبب اتساع قاعدة الهرم السكاني، استمر أيضاً نمو العمالة المواطنة بنحو 4.1 في المئة، سوف يبلغ عدد الكويتيين من السكان بحلول 2020 نحو 1.5 مليون نسمة وسوف يبلغ عدد العمالة المواطنة نحو 550 ألف عامل أي بزيادة 140 ألف طالب وظيفة جديدة بحدود 6 سنوات، بالإضافة إلى نحو 17 ألف عاطل حالياً، وبحلول عام 2030 سوف يبلغ عدد السكان الكويتيين نحو 1.9 مليون نسمة وسوف يبلغ عدد العمالة المواطنة نحو 820 ألف عامل أي بإضافة 100 في المئة أو نحو 410 ألف عامل جديد في نحو 17 سنة.

وبين ان الحكومة توظف بشكل مباشر حالياً نحو 320 ألف عامل مدني وعسكري كويتي، تبلغ فاتورة أجورهم ورواتبهم المباشرة وغير المباشرة نحو 10.5 مليارات دينار، وتدعم كل ما عداهم من العاملين خارجها، وتدعم السلع والخدمات لهم، وهي رواتب غير مباشرة أيضاً، وكلفة ذلك الدعم نحو 5 مليارات دينار أخرى، موضحاً أن نصف الإنفاق العام الحالي يذهب للرواتب والأجور من دون الدعم للسلع والخدمات، أو توفير الوظيفة في اقتصاد عاجز عن خلق وظائف حقيقية.

وشدد على ان نمط الإنفاق والتوظيف الحالي، ان استمر فان قطاع الإسكان ليس هو المهدد فحسب، ولكن الوظيفة وهي أهم أساسيات الحياة سوف تكون مهددة وبشدة، مؤكدا ان الجمع بين سياسة الإسكان الحالية وتوفير الوظيفة الحكومية غير ممكن.

المطلوب

وشدد السعدون على ان واجب الإدارة العامة أن تضمن الحصول على السكن المواكب لديمومة الحصول على الوظيفة والتعليم والخدمات الصحية والخدمات العامة والبنى التحتية المناسبة، وهذا الشعور بالأمان الناتج من استدامة ما تحصلون عليه لا يمكن أن يتحقق دون إدارة تعرف أن هناك علاقة تبادلية بين كل تلك المتطلبات، وتعرف حقيقة أن النفط ثروة وطنية وحق لكل الأجيال وهي حتماً ثروة ناضبة، وذلك لا يمكن أن يتحقق مع الإدارة العامة الحالية، فهي تعمل على استهلاك الدولة لتضمن ديمومتها، بينما المبدأ الأساس هو أن الإدارات العامة مؤقتة وتعمل على ديمومة الدولة، و»حتى لا أُتهم بالتجني السياسي، فإن الإدارة العامة نفسها تقر بعدم قدرتها وربما بفسادها، ورغم ذلك تصر على ديمومتها».

وأشار إلى أن الدليل الأول على إقرار الإدارة نفسها بعدم قدرتها وفسادها تولي الديوان الأميري وهو ممثل لأعلى سلطات البلد القيام بتنفيذ المشروعات بشكل أنظف واسرع وربما أرخص، وهو عمل غير دستوري وغير منطقي، لكنه اعتراف ضمني وصريح بعجز مجلس الوزراء، وثاني الدلائل هو أن مجلس الوزراء وهو المهيمن على شؤون ومصالح البلد، يقبل ضمناً بعدم قدرته من خلال التسامح بقيام الديوان الأميري بإنجاز المشروعات أو سلبه لسلطة مجلس الوزراء، وهو أمر لو لم يكن صحيحاً، لما بقي مجلس الوزراء أو حتى وزير في منصبه.

وأوضح أن ثالث الدلائل والذي لا يحتاج إلى بحث وتحليل، هو عجز الحكومة وهي أكبر حكومة في العالم نسبةً إلى تكلفتها وعدد سكان البلد بوجود موظف كويتي لكل إنسان بالغ كويتي، عاجزة عن إدارة شركة طيران لـ17 طائرة نصفها عاطل، وعاجزة عن إدارة مهمة العلاج بالخارج، وعاجزة عن إنشاء مستشفى أو استاد أو طريق أو جامعة، ويمكن أن تضيف إلى إنجازاتها ذلك اللغز أو جسر اليرموك وهو من معجزات العالم السبع التي أصبح ثامنها وإن بشكل عكسي.

واضاف: «وضمن العجز عن مواجهة الفساد، دخل البلد في مرحلة تشجيعية، فبعد عجز الحكومة عن مواجهة فساد البلدية الذي تعجز البعارين عن حمله ويزداد بمرور الزمن، اصبحت الكويت البلد الوحيد الذي يتهم فيه أكثر من ربع السلطة التشريعية بانتفاخ حساباتهم أي الارتشاء، والراشي أعظم، ويعجز القانون والقيم عن أن تطالهم، ويختفي الحياء، ويشارك بعضهم في لجنة حماية الأموال العامة».

توفير الاحتياجات... مستحيل

أوضح السعدون أن الأرقام تشير حتى نهاية عام 2013 إلى أن تعداد السكان في الكويت قد بلغ 3.95 ملايين نسمة منهم نحو 1.23 مليون كويتي، وفي حال استمرار السياسات الحالية والتوسع الأفقي الإسكاني عامل أساس في التأثير على كم ونوع النمو السكاني، سوف يبلغ عدد السكان الإجمالي نحو 4.92 ملايين نسمة في عام 2020 يرتفع إلى 6.75 ملايين نسمة في عام 2030.

وأكد أن هذا العدد من السكان سوف يعني مضاعفة الاستهلاك المحلي من النفط إلى نحو 700 ألف برميل أي اقتطاع نحو 350 ألف برميل أخرى من المتاح للتصدير أو نحو 15 في المئة من مستوى التصدير الحالي، وبعد 17 سنة سوف تكون الحقول قد شاخت وترتفع معها تكاليف الإنتاج لتقتطع من دخل الصادرات الصافي، أي سوف يزداد الاقتطاع من جانب الإيرادات، ومعها سوف تتضخم نفقات التعليم البالغة حالياً 12 في المئة من النفقات العامة بمستوى رديء أدنى من بلد متخلف وفقير مثل كمبوديا وفقاً للبنك الدولي، وسوف تتضاعف الحاجة إلى نفقات الخدمات الصحية وإلى البنى التحتية مع مضاعفة عدد السكان، وذلك يعني استحالة تبني سياسة إسكانية بتوسع أفقي دون التضحيات باقتطاع كبير من الدخل المتاح من النفط ودون التضحية بأساسيات أو ضرورات الحياة الأخرى.

back to top