على الرغم من مرور شهر على إعلان وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا يتواصل القتال: مات 75 جندياً ومدنياً أوكرانياً منذ الخامس من سبتمبر وفق تقارير الحكومة، بالإضافة إلى ذلك تتوسع القوات المدعومة من روسيا في الأراضي التي تنازلت عنها الحكومة الأوكرانية بعد أن طردت جيشها القوات الروسية الغازية، وما زال مطار دونيتسك الذي تسيطر عليه الحكومة تحت الحصار، وإذا وقع في يد القوات الروسية فستحظى بطريق إمدادات إضافي خارج عن السيطرة الأوكرانية.

Ad

في الوضع الراهن نلاحظ أن ما يُدعى عموماً "جمهورية دونيتسك الشعبية" أو "نوفوروسيا" يتكسب بسرعة المتطلبات التي تتمتع بها المناطق الأخرى التي سبق أن سيطرت عليها موسكو داخل بلدان أوروبا الشرقية، فبتجاهل دعوى البرلمان الأوكراني إلى عقد انتخابات محلية، نجح أتباع روسيا في إقامة "مجلس سوفيات أعلى"، على غرار ما كان قائماً في عهد الاتحاد السوفياتي، فضلاً عن شرطة سرية تُدعى MGB، على غرار جهاز KGB السوفياتي، بالإضافة إلى ذلك، تشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن المحاكم العسكرية حكمت بالسجن على ألف شخص، وأخبر "نائب وزير الدفاع" الصحيفة أن النظام الذي تبنيه الحكومة "شيوعي عسكري".

ما زال الدبلوماسيون الأوروبيون يعملون على إقامة منطقة عازلة مقترحة بين القوات الأوكرانية والروسية، لكن كثيرين بدؤوا يعبرون اليوم عن ارتياحهم لأن هدفهم المعلن مراراً "الحد من التصعيد"، صار في متناول اليد، ويعنون بذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يسعى في الوقت الراهن، على ما يبدو، إلى إرسال قواته للسيطرة على مدن جديدة في شرق أوكرانيا أو إقامة ممر بري من دونيتسك إلى منطقة القرم المحتلة.

رغم ذلك يوشك بوتين أن يحقق كل أهدافه الكبيرة، فضلاً عن القرم سيطر على قسم استراتيجي من الأراضي يضم نحو 10% من سكان أوكرانيا، مولداً "صراعاً مجمداً" يمكنه استغلاله لإبقاء سائر البلد في حالة اضطراب مستمرة، كذلك خدع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشنكو والاتحاد الأوروبي ودفعهما إلى إرجاء تطبيق اتفاق الشراكة الاقتصادية الذي كان أساس الخلاف، كذلك أوقع الاقتصاد الأوكراني في مأزق سحيق من المحتمل أن يزداد سوءاً خلال فصل الشتاء، خصوصاً إذا امتنعت موسكو عن تأمين إمدادات الغاز أو شراء السلع الأوكرانية، وإذا نجحت الحكومة في كييف في إجراء الانتخابات خلال هذا الشهر والبدء بترسيخ سلطتها، يستطيع بوتين استخدام عملائه في دونيتسك لإعادة إشعال الحرب كلما شاء.

في هذه الأثناء يأمل الكرملين أن يدفع هذا "الحد من التصعيد" الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى رفع العقوبات الاقتصادية التي عززاها الشهر الماضي، لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهي صوت بالغ الأهمية في أي قرار مماثل، أصابت بقولها أخيراً إن الاتحاد الأوروبي "بعيد كل البعد عن التفكير في سحب العقوبات"، ولكن لم يحدد قادة الاتحاد الأوروبي أو إدارة أوباما الشروط التي يجب على موسكو تطبيقها للفوز بفرصة مماثلة.

يفتح هذا الباب أمام السماح لبوتين بالتفلت من مشكلة مماثلة قبل اتخاذ خطوات تُعتبر ضرورية للحفاظ على ما تبقى من سيادة أوكرانيا، وتشمل هذه الخطوات سحب كل القوات والمعدات العسكرية الروسية من أوكرانيا وإقفال الحدود بين البلدين، مع الاستعانة بمراقبين دوليين، ويجب أن يصر الرئيس أوباما والمستشارة ميركل على هذين الشرطين ويعلناهما بكل وضوح، وإلا سيتجرأ بوتين على تجديد الاعتداء الذي سبق أن عاد عليه بفوائد جمّة.