«إننا نخوض مواجهة قوية مع حيدر العبادي». هكذا تحدث نائب بارز في حزب عمار الحكيم حين علّق على مواقف رئيس وزراء العراق من مرشح حقيبة الداخلية في حكومته بعد أن لاقى الترشيح رفضاً في البرلمان، بينما يريد العبادي تقديم المرشح ذاته ثانية، مصطدماً بموقف شيعي يرى في وزير البلديات السابق رياض غريب «ممثلاً أميناً» لسياسة نوري المالكي التي كانت محط اعتراض معتدلي الشيعة وباقي القوى العراقية.

Ad

وإذ كان اختيار مرشح الداخلية، أول مواجهة بين العبادي والأحزاب الشيعية التي رعت عملية التغيير ونقل السلطة وعارضت سياسات المالكي، مؤمنة كما تقول، بضرورة الإصلاحات لمنع تفكك البلاد وسقوط بغداد بيد «داعش»، فإن المواجهات بين الطرفين مستمرة في أكثر من ملف.

قد تتحمل أطراف شيعية أخرى مسؤولية مع العبادي في عدم حصول تقارب أوضح مع السُّنة والأكراد والمحيط الإقليمي، لكن المؤاخذة الأساسية بعد شهر على تسلمه السلطة، كما يسجلها شيعة نافذون، هي أن رئيس الوزراء الجديد الذي بدا أول الأمر مصغياً جيداً للنصائح، لم يشكل بعد، فريق عمل قوياً يتضمن تمثيلاً للقوى المطالبة بالإصلاح.

وكان شيعة معتدلون راغبين في رؤية أشخاص مثل أحمد الجلبي الذي رمم علاقاته الواسعة بالقوى الدولية مؤخراً، وعادل عبدالمهدي وزير النفط، وضياء الأسدي رئيس كتلة الصدر المعروف باعتداله، قريبين بما يكفي من مطبخ العبادي، لتنعكس مبادراتهم المعروفة التي طرحوها خلال السنة الأخيرة، على سياسات الدولة، لكن رئيس الحكومة لا يزال «غائصاً في فريق من الأسماء المغمورة كلها من جناح لندن في تنظيم حزب الدعوة» كما يفيد نائب شيعي قريب من أجواء النقاشات داخل أكبر الكتل الشيعية في البرلمان.

ويضيف هذا النائب أن «العبادي يتأخر ولم يحسم شيئاً من القضايا التي يُفترَض أننا اتفقنا عليها، بينما داعش يسرع نحو العاصمة، وعلاقتنا بالتحالف الدولي لم تتماسك بعد، ولا تزال أربيل تنتظر التسوية المؤملة وموظفوها المليون لم يتسلموا المرتبات منذ شهرين بسبب الخلاف مع بغداد، والسُّنة في وضع ترقب خطير».

وتابع النائب: «مبكر إصدار حكم نهائي على أدائه، لكن العبادي ونحن جميعاً، ليس أمامنا وقت طويل لصوغ سياسة متينة تبني الثقة الغائبة، لأن داعش يستغل كل هذا الشك وغياب الضمانات، للتقدم بنحو مروع أحياناً».

وكجزء من هذه «المواجهة» مع مطالبات الإصلاح وتغيير السياسات، استغرب قادة عراقيون طريقة تعبير العبادي عن موقف دول الخليج من «داعش»، في ظهوره الأخير على شاشة قناة الحرة الأميركية. فقد ظل اتجاه الإصلاحات السياسية بين القادة الشيعة أنفسهم، يتمسك طوال الأزمة بضرورة حوار عراقي خليجي يخفف «البرود الدبلوماسي» ويصنع مناخاً لإدارة كل الخلاف في وجهات النظر، وقد خاض الحكيم ومقتدى الصدر والجلبي، مواجهات كبيرة مع المالكي متهمين إياه بأنه «يستعدي» دول الخليج بلا مبرر، لكن العبادي في ظهوره الأخير تناسى هذا الثابت السياسي وراح يقول إن «داعش» مدعومة خليجياً.

وإذ يحذر خبراء من أن جانب الكرخ من بغداد (أغلبية سنية) يستغيث من الميليشيات التي تدير ملف الأمن هناك، فهم يقولون إن «داعش» يمكن أن تستغل هذا الجو المحتقن لقضم أجزاء من العاصمة، مذكّرين بأن قوات الحشد الشعبي وأفواج المتطوعين الشيعة، بدأ ينخرها الفساد المالي للقادة، وهي تضعف تدريجياً.

ويرى هؤلاء أن واشنطن قد تبالغ أحياناً في وصف الوضع الميداني، لكي «تحث الشيعة على بناء موقف مستقل نسبياً، عن حسابات طهران»، مع العرب والتحالف الدولي، والكف عن سياسة «الشك المبالغ فيه» داخلياً مع السُّنة والأكراد، وخارجياً مع المحيط الإقليمي.

ويخلص النائب الشيعي إلى القول إن عمار الحكيم هو الذي أدار التفاوض لإبرام صفقة الحكومة، لأن العبادي لم يكن طرفاً موثوقاً به في الالتزامات، وعليه الآن أن يعمل لضبط إيقاع رئيس الحكومة العراقية، الذي يبدو عاجزاً عن إدارة الملف الشائك بمفرده.