ألمانيا... تستشعر أخيراً أخطار الركود الاقتصادي

نشر في 11-10-2014
آخر تحديث 11-10-2014 | 00:01
بدأ ضعف الاستثمار في ألمانيا المزمن يلقي بظلاله ويترك أثره الجلي، كما أن الأرقام الأكثر إثارة للقلق في تقرير شهر أغسطس عن الإنتاج  الصناعي الألماني تمثلت بحدوث هبوط بنسبة 8.8 في المئة في إنتاج البضائع الرأسمالية مثل الآلات، ويضاف إلى ذلك أن تأخر العطلة المدرسية، يمكن أن يفسر جزءاً من عوامل الانكماش.
 بلومبرغ • قال وزير المالية الألماني ولفغانغ شوبل في شهر أبريل الماضي إنه سئم من سماع الحديث عن كيفية زيادة بلاده للإنفاق الحكومي بغية تحسين النمو الاقتصادي، وقد أعلنت ألمانيا الآن أكبر هبوط في إنتاجها الصناعي منذ شهر يناير 2009، وربما يتعين على الوزير شوبل أن يعيد النظر في موقفه.

يذكر أن وزير المالية الألماني ورئيس البنك المركزي الألماني (البوندسبنك) ينس فايدمان تسببا لفترة طويلة من الزمن في مضايقة المعلقين وصناع السياسة في عالم "الأنغلوفون" وجنوب أوروبا المبذر من خلال إصرارهما على سياسة المحافظة المالية والتوفير، ولكن على الرغم من ذلك لم يخضع الألمان مطلقاً لضغوط النظراء، كما أن اقتصاد ألمانيا لم يتعرض الى تداعيات كارثية في أعقاب الأزمة  المالية العالمية التي اندلعت في 2008 و2009، بعد انهيار بنك ليمان براذرز، وبدت ألمانيا في وضع اقتصادي أفضل من معظم الدول الأوروبية خلال تلك الأزمة المالية.

بداية التعافي الاقتصادي

منذ بداية التعافي الاقتصادي في سنة 2009 دخل الاقتصاد الألماني في فترة ركود قصيرة لمرتين: الأولى في أواخر سنة 2012، والثانية في مطلع سنة 2013، ولكن ذلك بدا مجرد ظاهرة خفيفة عابرة، ولم نكن نسمع عن أن الشعب الألماني كان يشتكي من تردي مستويات المعيشة كما كان شأن المواطن الفرنسي أو الإيطالي. وقد انخفض معدل البطالة في شهر أغسطس الماضي إلى 4.9 في المئة بعد أن وصل إلى 5.3 في المئة قبل سنة خلت؛ أي نصف المعدل البالغ 10 في المئة في فرنسا، وظلت مبيعات التجزئة في ألمانيا ثابتة، كما أنها ارتفعت في شهر أغسطس بنسبة 2.5 في المئة وهي الأعلى منذ شهر يونيو سنة 2011، إلى ذلك استمر تعويض الموظفين بالنمو بصورة بطيئة لكنه كان متماشياً مع معدل التضخم.

من جهة أخرى بدت الأوضاع المالية والتجارية في ألمانيا قوية أيضاً، وأظهرت تلك الدولة خلال هذه السنة أول فائضا نصف سنوي في الميزانية، وذلك للمرة الأولى منذ سنة 1991، مع زيادة في أرباح "البوندسبنك" التي أسهمت بدورها في تحقيق هذا الإنجاز.

وقد وصل الفائض التجاري في ألمانيا خلال شهر يوليو الماضي إلى مستوى قياسي بلغ 23.4 مليار يورو (31.4 مليار دولار بحسب معدلات الصرف في ذلك الشهر).

ألمانيا لا تساعد جيرانها

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام سوف تجعل أي شخص يشعر بالتباهي، ولا تعتقد ألمانيا أنها ملزمة بمساعدة جاراتها من خلال إنفاق المزيد من الأموال بغية تحسين المستوردات ورفع معدلات التضخم لديها. قد تكون أوروبا موحدة وربما تتشاطر ألمانيا عملة مع دول أخرى، ولكن المسؤولية الأولية بالنسبة إلى السياسيين في ألمانيا كما في أي مكان آخر، تظل متمحورة حول مصالح بلادهم.

وعلى أي حال فقد حان الوقت الآن للتخلص من حالة الاعتداد بالنفس، كما أن العوامل التي تهدد بدفع ألمانيا نحو ركود اقتصادي آخر لن تتبدد في المستقبل القريب، ولا بد من التصدي لها.

وتعتبر العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب الأزمة في أوكرانيا واحدا من تلك العوامل، ومعروف أن ألمانيا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لروسيا والمستثمرين فيها، ولذلك فإن تلك الإجراءات تركت أثرها وسوف يكون من الصعوبة بمكان أن تلغى قبل حدوث تغير كبير في الوضع في أوكرانيا، وفي ضوء المسار الاقتصادي الصعب في تلك الدولة وعدم رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تقديم مساعدة فإن مثل ذلك التغيير قد لا يتحقق قبل مرور شهور عديدة، وفي الوقت ذاته تعاني جارات ألمانيا إضافة الى الشركاء التجاريين الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وإيطاليا، ركودا اقتصاديا، وتدعو حكومات تلك الدول بقوة الى إصلاحات في طرق تحسين النمو، ولكن التغيير الهيكلي السريع اللازم من أجل تحقيق فارق لم يحدث بعد.

الإنتاج الصناعي الألماني

وفي ألمانيا نفسها بدأ ضعف الاستثمار المزمن يلقي بظلاله ويترك أثره الجلي، كما أن الأرقام الأكثر إثارة للقلق في تقرير شهر أغسطس عن الإنتاج  الصناعي الألماني تمثلت بحدوث هبوط بنسبة 8.8 في المئة في إنتاج البضائع الرأسمالية مثل الآلات، ويضاف إلى ذلك أن تأخر العطلة المدرسية في هذه السنة، وهو سبب مهم إزاء كون الإنتاج أعلى من المعتاد في يوليو وأدنى في أغسطس، يمكن أن يفسر جزءاً فقط من عوامل الانكماش، وبصورة عامة هبطت الاستثمارات في ألمانيا إلى 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة الماضية بعد أن وصلت إلى 22.3 في المئة في سنة 2000 مع استمرار الاتجاه الهابط، وليس في وسع ألمانيا الرهان على إمكاناتها الاقتصادية التراكمية إلى الأبد: وتردي طرقاتها وبنية الاتصالات التحتية واضح لكل من يعيش في ذلك البلد.

هناك طرق لتحفيز الاستثمارات الخاصة، مثل خفض الضرائب وزيادة المنافسة المحلية، ولكن لن يكون لذلك تأثيره الفوري، وقد كتب جيكوب فنك كيركيغارد من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في صحيفة "مي": "إذا لم تكن الحكومة الألمانية راغبة في الاستثمار فلماذا تقدم الشركات الألمانية على تلك الخطوة؟"

لدى الحكومة المال لتصدر في هذا المضمار، وقد وصل فائض الميزانية في النصف الأول من السنة الى 1.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبحسب كيركيغارد فإن ضخ 1 في المئة إضافية من الناتج المحلي الإجمالي في الاستثمارات العامة سوف يمثل الحد الأدنى المطلوب للبدء "بتعويض الإهمال السابق"، وعلى أي حال فقد استثمرت الحكومة الألمانية بين 1999 و2011، بشكل متوسط، 1.66 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، مقارنة مع 2.47 في المئة في الولايات المتحدة و5.36 في المئة في كوريا الجنوبية.

ما من شيء أفضل من ذلك يمكن لألمانيا القيام به بأموالها، وفي هذه الظروف يعتبر الاستثمار في البنية التحتية طريقة محافظة مثالية من أجل خفض الخسائر وتحسين الاقتصاد.

* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky

back to top